في تطور مفاجئ أنهى سنوات من الغموض والملاحقة، سلّم الفنان اللبناني فضل شاكر نفسه إلى مخابرات الجيش اللبناني مساء السبت، منهياً بذلك مرحلة طويلة من التواري داخل مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في صيدا، حيث عاش منذ عام 2013 بعد اتهامه بالمشاركة في مواجهات مسلحة ضد الجيش. الخطوة، التي أكدتها مصادر أمنية وإعلامية متقاطعة، أعادت إلى الواجهة واحداً من أكثر الملفات حساسية في المشهد اللبناني خلال العقد الماضي، لما يجمعه من أبعاد سياسية ودينية وفنية واجتماعية في آن واحد.

من مجد الغناء إلى مأزق السياسة

عرف فضل شاكر، واسمه الحقيقي فضل عبد الرحمن شمندر، كأحد أبرز الأصوات الرومانسية في العالم العربي خلال العقدين الماضيين. أغانيه مثل "يا غايب” و*"لِسا الحالة تايهة”* و*"معقول”* رسّخت مكانته كفنانٍ محبوب تجاوزت شهرته حدود لبنان. لكن في عام 2012، صدم جمهوره بإعلان اعتزاله الغناء واتجاهه إلى ما وصفه بـ"التوبة الدينية”، ثم تحالفه مع الداعية المثير للجدل الشيخ أحمد الأسير في مدينة صيدا، حيث تبنّى مواقف حادة ضد "حزب الله” والجيش اللبناني، وهو ما اعتُبر حينها انزلاقًا نحو التطرف السياسي والديني.

أحداث عبرا: لحظة الانفجار

في يونيو 2013، اندلعت مواجهات دامية في منطقة عبرا بمدينة صيدا بين أنصار الشيخ الأسير وعناصر الجيش اللبناني. أسفرت الاشتباكات عن مقتل أكثر من 18 جندياً وعدد من المسلحين، واعتُبرت حينها من أخطر المواجهات الداخلية منذ الحرب الأهلية اللبنانية. فضل شاكر، الذي ظهر في تسجيلات مصوّرة وهو يعلن تأييده للأسير، أدرج لاحقاً ضمن لائحة المطلوبين بتهمة المشاركة في الهجوم وتقديم الدعم اللوجستي للمجموعة المسلحة. ومنذ ذلك الحين، اختفى داخل مخيم عين الحلوة، في واحدة من أطول فترات التواري التي عرفها الوسط الفني العربي.

الأحكام الغيابية: 22 عاماً من السجنn

في ديسمبر 2020، أصدرت المحكمة العسكرية اللبنانية حكماً غيابياً يقضي بسجن شاكر 22 عاماً مع الأشغال الشاقة، بعد إدانته بتهم "الانتماء إلى جماعة إرهابية وتمويل عمليات ضد الجيش”. انقسم الحكم إلى جزأين: الأول بالسجن 15 عاماً لتدخله في أعمال إرهابية، والثاني 7 سنوات لتمويله جماعات مسلحة. ورغم غيابه عن الساحة، بقي اسمه حاضرًا في الإعلام، خصوصًا بعد نشره بين الحين والآخر تسجيلات غنائية جديدة عبر الإنترنت، في محاولة للتأكيد على براءته ورغبته في "العودة إلى الحياة الطبيعية”.

تفاصيل التسليم: مسار منسّق n

مصادر لبنانية أكدت أن تسليم فضل شاكر تمّ عند مدخل مخيم عين الحلوة من جهة "الحسبة”، بحضور ضباط من استخبارات الجيش اللبناني. وبحسب الروايات، خرج شاكر سيراً على قدميه من داخل المخيم برفقة وسطاء محليين، وكان هادئاً متماسكاً أثناء عملية التسليم. جرى تسلّمه رسمياً من قبل ثلاثة ضباط، لينقل بعدها مباشرة إلى أحد المراكز الأمنية تمهيداً لاستجوابه. الخطوة جاءت بعد أسابيع من وساطات مكثفة شارك فيها وجهاء من صيدا ومسؤولون لبنانيون سعوا لإيجاد مخرج قانوني وسلمي لقضيته، في ظل تزايد التوترات الأمنية داخل المخيم ومحاولات الدولة فرض سيادتها عليه.

الدوافع المحتملة

يرى مراقبون أن قرار فضل شاكر بتسليم نفسه قد جاء نتيجة تزايد الضغوط الأمنية داخل مخيم عين الحلوة، بعد اشتباكات متكررة بين فصائل فلسطينية وأجهزة الدولة، ما جعل بقاءه هناك محفوفاً بالمخاطر. في المقابل، يعتقد مقربون منه أن الهدف الحقيقي هو مواجهة القضاء وجهًا لوجه بعد أن عاش لسنوات تحت وطأة الأحكام الغيابية، معتبرين أن وجوده في قبضة الدولة سيفتح الباب أمام "محاكمة علنية وعادلة” قد تُعيد النظر في الاتهامات الموجهة إليه. مصادر أخرى لم تستبعد وجود ترتيبات قانونية مسبقة خففت من مخاوفه، خصوصاً وأن بعض الشخصيات اللبنانية تدخّلت لتأمين انتقاله "الآمن” من المخيم إلى عهدة الجيش.