من غير اللائق وليس من الحكمة أن نسمح بتحويل حالات الانفلات التي تصدر عن بعض الشباب إلى ذريعة لإعلان حرب على الأحزاب والنقابات والمجتمع المدني. هذه المؤسسات قد تتحمل جزءًا من المسؤولية في ضعف التأطير وتجديد خطابها، لكنها ليست خصمًا للمجتمع، بل هي نتاج له. ومهاجمتها بهذا الشكل لا يؤدي إلا إلى تعميق عزلتها ودفع الشباب أكثر نحو الفراغ والرفض الشامل.
إن الأحزاب والنقابات والجمعيات ليست كيانات مستوردة أو صنيعة فوق وطنية، بل هي نتاج طبيعي لمجتمعنا وجزء لا يتجزأ من شروط أي تجربة ديمقراطية. ومهما كان النقد قاسيًا لأدائها، فإنه يظل بلا معنى إن لم يصدر من داخلها أو عبر انخراط فعلي في تجديدها. فإما أن نعيد بناءها من الداخل، أو نؤسس بدائل طبيعية وشرعية تعبّر بصدق عن مشروع مجتمع جديد. أما الاكتفاء برفع شعار "البديل الحزبي أو الجمعوي أو النقابي” دون قدرة على تجاوز عقدة الولادة والانغماس في إعادة إنتاج أنماط تقليدية، فلن يؤدي إلا إلى تجارب مشوهة تدّعي التجديد وهي في الحقيقة امتداد للنمطية التي عطّلت التطور وأفرغت معنى البديل.
المسألة أعمق من ردود فعل ظرفية: هي مناسبة لمساءلة فشل تنزيل ما سُمّي بـ”الأدوار الجديدة للمجتمع المدني” منذ دستور 2011، ومساءلة اختيارات وزارة الشباب وهي تدفع نحو خوصصة مؤسسات الطفولة والشباب وتهميش الجمعيات الوطنية الفاعلة أساسا ما يرتبط بالمخيمات ودور الشباب عوض التطوير أو التأهيل وفق ما يحتاج إليه الشباب المغربي اليوم. وهي لحظة للتساؤل عن المال والنفوذ الانتخابي الذي يعلو على الكفاءة، وعن التمييع الذي أصاب فكرة التمييز الإيجابي في صفوف الشباب والنساء، وعن النقابات التي أُقصيت من النقاش حول أهم قانون اجتماعي منذ الاستقلال: القانون التنظيمي للإضراب.
إن ضرب هذه المؤسسات لن يفتح باب الإصلاح، بل باب الفوضى. والتحدي الحقيقي اليوم هو إعادة الاعتبار لها، وتمكينها من استعادة أدوارها التأطيرية والسياسية، حتى تكون صمام أمان لمجتمع يريد الانتقال الديمقراطي. لأن بديلها الوحيد ليس الحرية ولا التغيير، بل الفوضى واللا-معنى.