«لوموند» جريدة فرنسية مهمة، وفي زمن آخر، مضى وانقضى الآن تماما، كانت الكلمات المتراصة على صفحاتها مقالات، تعني في فرنسا وخارج فرنسا، الشيء الكثير.
اليوم، وبفضل حالة الحديث الجماعية، التي أتاحت للكل الكلام، ومنعت عنا جميعا الاستماع أو الإنصات، أصبحت "لوموند" ومختلف وسائل الإعلام التقليدية، في فرنسا وفي المغرب وفي العالم، مجرد أكسسوارات تزيينية، تذكرنا بأمور وسنوات وأشخاص وأحداث عبروا، وبها نحاول إلقاء القبض على الفوارق السبعة، أو في الحقيقة الفوارق المليون بين زمن كان، وبين زمن هو في طور التشكل.
لذلك لا أهمية لما قد تكتبه "لوموند" عن وطننا، سلبا أو إيجابا، في الحقيقة.
الأهمية كل الأهمية هي للإجابة على سؤال مطروح علينا، نحن جميعا، ولا نمل ولا نكل من الفرار منه ومن الرد عليه، بل حتى من محاولة التفكير في إجابة حقيقية وعاقلة عليه.
السؤال هو "هذا (لوموند) العالم حولنا الذي يتغير، هل تغيرنا معه؟ وهل نحن مستعدون لهذا التغيير؟".
سيقول لك المحنط الراغب في بقاء الوضع على ما هو عليه: "ومن قال لك إن العالم يتغير؟"، قبل أن يضيف على سبيل الدعاء والاستعطاف "الله يخلينا فصباغتنا آخويا".
المشكلة هي أن العالم لا يتغير فقط. هو تغير أصلا.
ومشكلة المشاكل لدينا نحن هي أننا نمثل دور من لم ينتبه لهذا التفصيل البسيط، ودور من لم تسترع انتباهه هذه الجزئية الصغيرة.
مع أنه ليس تفصيلا بسيطا، ولا هي جزئية صغيرة، بل هو عبور جذري من حال إلى حال، عشناه ومررنا منه، ولم نتوقف كثيرا عند مراحله، لأنه تم بشكل يومي ومستمر ودائم.
هل عالم اليوم مثلا هو عالم ما قبل سنة الـ2000؟
خذ لك أي قضية تريدها، من حكاية فلسطين وإسرائيل حتى شكل الدول العربية الآن، حتى بقية ما يجري في العالم، واسأل نفسك، دون شعارات فارغة، ودون رغبة متسرعة في العثور على الجواب الذي يروقك فقط: ألم تتغير الأشياء رأسا على عقب؟ ألم تتخلخل كثير اليقينيات التي بدا الآن أنها كانت زائفة؟ ألم نعدل طريقة النظر لعديد الأشياء بعد أن فهمنا اختياريا، أو تم إجبارنا على الفهم أنها لم وليست ولن تكون بالشكل الذي كنا نؤمن بها في وقت سابق؟
بلى، وكثير من تشنج الوقت الحاضر، إنما هو نتاج رغبة غير عاقلة كثيرا، إما في إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، أو في حالة أضعف الإيمان الذي نعشقه منذ القديم، إيقاف عجلة الزمان عن الدوران.
مع أن المسألتين معا، مستحيلتان.
الزمن يسير فقط إلى الأمام، وعقاربه لديها دورة محددة ومعينة بموجبها تقصد اتجاها واحدا، ما يفرض على من لم يقتنع بأن "لوموند" le monde أو لكي نكون أكثر اقترابا من لغة اليوم "الوورلد" the world قد تغير بشكل جذري، وهو يواصل التغيير اليوم، أن ينزل من السفينة، سفينة هذا العالم اليوم، فلا مكان له فيها الآن، ولن يعثر على موطئ قدم - ولو صغير - على متنها غدا.
نعم، أيها السادة العالم تغير ويتغير حولنا، فهل نحن مستعدون للانضمام إلى هذا التغيير، أم سنبقى في السقيفة جالسين، نطعن بعضنا البعض أثناء سجود صلاة الفجر، ونكبر ونهلل ونواصل الوقوف القاتل والمميت؟