من أي محبرة تكتب مقالات "لوموند")le monde) عن المغرب؟
من محبرة تعال عنصري واستعماري، انقرض منذ سنوات في العالم كله، ولم يتبق له أثر إلا عند بعض العالقين هناك في الجريدة الورقية التي كانت علما، ودلالة رفعة مهنية لا تناقش ذات زمن، وأصبحت اليوم مضطرة للكتابة باختلاق واضح لكي ينتبه لوجودها الناس، سواء هناك في فرنسا، أو في بقية أنحاء العالم الذي تكتب عنه، وضمنه المغرب.
ولا يهمنا هنا إطلاقا انتقاد الجريدة الفرنسية على ما تكتبه، فذلك حال لا ينصلح أبدا، وترياقه منذ القديم كان إما الجر أمام المحكمة، أو "ترضية الخواطر" بطريقة أو بأخرى مما لم يعد المغرب يقوم به، ولم يعد يحتاجه إطلاقا، لأنه متأكد من سلامة كل مواقفه، مفتخر بخطواته، غير عابئ إلا بمواطنيه وتنميتهم رفقة وطنهم.
لا، نحن هنا نكتب عن انبهار بعض بني الجلدة بكل ما يقترفه الأجنبي، وإن كان من وحي الهذيان، وليس الخيال فقط.
وفي هذه بالتحديد، يستوي معارضو الساعة الخامسة والعشرين، مع بعض المسؤولين هنا في البلد، إذ تتوقف عندهم الدنيا عن الدوران فور أن تكتب جريدة بعيدة عنا أشياء تخصنا، ومن المفترض ومن المفروض أيضا أن نكون نحن أعلم بها، وبخباياها، وبصحتها أو كذبها.
لكنها عقدة النقص الأبدية منذ القديم، عند بعض مواطنينا، معارضة ثرثارة لا تكف عن الهرطقة في البودكاستات، ومسؤولين جالسين في المكاتب بعيدا عن الواقع، يعتقدون أن شهادة مجهول أجنبي في حقهم تعفيهم من العمل الفعلي لصالح وطنهم وأبناء هذا الوطن.
وإذ أتذكر بعض الأشياء، وأنسى أخرى في المسار المهني طيلة كل هذه السنوات، فلن أنسى يوم كان (الصحافي) إغناسيو سمبريرو قادما إلى لقاء مع مسؤولين هنا في الرباط بداية سنوات الألفين، واتصل بي مسؤول من وزارة الاتصال يطلب حضوري لتغطية اللقاء، وسألته في تلك السنوات "أنت مسؤول مغربي تستدعيني وأنا صحافي مغربي لحضور وتغطية لقاء يجمعكم بصحافي إسباني، عجيب أمركم يا قوم".
بعدها بسنوات زرنا مدريد ضمن وفد مكون من مسيري مقاولات إعلامية مغربية، والتقينا نفس "السمبريرو" في مقر "إل باييس"، وصافح واحدا منا فقط، ورفض الكلام مع البقية، وقال لرئيس وفدنا آنذاك، الراحل خليل الهاشمي الإدريسي "أنت لست صحافيا"، وقال للعبد لله "أنت من رفضت حضور اللقاء معي في الرباط، لقد أخبرني بها فلان (مسؤول مغربي) قبل مجيئكم إلى مدريد"، ولم أجب إذ أدرت وجهي في انتظار قدوم مدير نشر ورئيس تحرير "إل باييس" اللذين طلبا من سمبريرو، فور جلوسهما، بعد أن لاحظا التوتر الذي زرعه في القاعة ألا يتحدث إطلاقا، لأنهما يعرفان المغرب أفضل منه رغم أنه - والتعبير لهما معا يومها - يقطن فيه، لكن "يكتب عنه من منظاره الخاص به هو".
هذا الانبهار الأخرق بـ"البراني" يجب أن يتوقف، لأنه لم يجلب لنا يوما إلا الخسائر، فهؤلاء القوم لديهم حساباتهم الخاصة بهم، والاعتقاد أنهم يكتبون بمثالية ونزاهة وملائكية عن أحوالنا، هو اعتقاد - ومعذرة على الوصف وليس السبة- غبي وأحمق فعلا.
ببساطة واضحة وفادحة، نحن لا نحتاج شهادة مجروحة من أجانب لا يعرفون عنا إلا القشور، مهما تحدث معهم البعض منا مباشرة أو في الهواتف.
نحن نحتاج تقوية الصحافة المغربية الحقيقية، ومدها بكل وسائل الازدهار، وليس العيش فقط، وستكون حقا قادرة على أن تنقل بأمانة، ووطنية، وبانتماء حقيقي، صورة المغرب كما هو، بلدا صاعدا، يسعى إلى تنمية ذاته ومواطنيه، يصيب ويخطئ، وحين الخطأ يصلح ما يمكن إصلاحه، لا يعاني من عقدة نقص تجاه الغريب البعيد، ولا من عقدة استعلاء على الجار القريب.
بلد يعرف من أين أتى، ويعرف أين يقف الآن بالتحديد، ويعرف جيدا إلى أين هو سائر بثقة وبكل تأكيد.
بلد كبير وعريق وتليد وعظيم، يستحق بالتأكيد وجها إعلاميا أشرف وأغنى وأقوى، من المتوفر حاليا، يعفيه شر مد اليد للأجنبي الطامع، ويقيه أيضا نزوات المبتزين ومحترفي التهديدات الكاذبة، ويعيد مواطنيه إلى إعلام جاد ووطني ومهني، تمت محاربته بكل قوة من خلال اختلاق تجارب اتضح أن أصحابها لا يؤتمن جانبهم، وهم مستعدون لتغيير كتف البندقية، فور المساس بأصغر مصلحة حققوها في زمن آخر، واعتبروها مكتسبا مزمنا وليس أبديا، يغضبون ويقيمون الدنيا ولا يقعدونها فور الاقتراب منه.
نحتاج إعلاما حقيقيا، قويا، ومقاولات إعلامية وطنية ومواطنة، قائمة على أساس صلب، ولها انتماء واحد فقط لا يتغير: للمغرب، "وصافي".
هذه هي الخلاصة، وما عداها افتراء واختلاق، وسلسلة أكاذيب آن لها أن تتوقف، وحان أوان التخلص نهائيا من وهمها ومن أسطورتها الزائفة.