أكد علي لطفي، الكاتب العام للمنظمة الديمقراطية للشغل، أن غالبية العمال تعمل في ظروف مأساوية، خاصة في قطاعي البناء والعمل المنزلي، والعمل غير النظامي ويتقاضون أجورا زهيدة جدا، ويعملون لساعات طويلة، ودون أي حماية اجتماعية.

 وعبر لطفي عن أسفه الشديد لتعرض عدد من المهاجرين لحوادث شغل خطيرة دون حصولهم على أي تعويض.

وأوضح في حواره مع موقع "أحداث أنفو"، أن فكرة الدفاع عن حقوق هؤلاء العمال، بدأت بعد أن تواصل مع النقابة خبير مغربي من منظمة العمل الدولية، وأطلع مسؤوليها على مآسي واستغلال اليد العاملة الأفريقية في مجالات مثل البناء والزراعة، مبرزا أنه في فاتح ماي 2012، تأسس أول تنظيم نقابي للعمال المهاجرين بالمغرب منظم تحت لواء، المنظمة الديمقراطية للشغل.

وأضاف أن النقابة شرعت منذ تلك الفترة في رفع تقارير الى الجهات الحكومية المسؤولة، حول استغلال المهاجرين وعملهم في ظروف غير إنسانية، مشيرا إلى المغرب كان يواجه أنداك  انتقادات من منظمات دولية بشأن عدم احترامه لحقوق المهاجرين، خاصة وأنه كان يُنظر إليه كـ "دركي" يحرس حدود أوروبا ويمنع الهجرة السرية عبر البحر الأبيض المتوسط.

= كانت المنظمة الديمقراطية للشغل أول نقابة طرحت قضية الدفاع عن حقوق العمال المهاجرين بالمغرب، ما تقييمكم لهذه التجربة؟

تتركز تجربة منظمتنا النقابية في الدفاع عن حقوق العمال المهاجرين في المغرب، سواء كانوا أفارقة أو سوريين أو آسيويين، من قناعتنا النقابية في حماية حقوق العمال المهاجرين سواء في المغرب أو خارجه، كالدفاع عن قضايا العمال المغاربة المقيمين بالخارج.

  وبالنسبة للعمال المهاجرين بالمغرب، فهذه الفئات غالبا ما تعمل في ظروف مأساوية، خاصة في قطاعي البناء والعمل المنزلي، والعمل غير النظامي ويتقاضون أجورا زهيدة جدا، ويعملون لساعات طويلة، ودون أي حماية اجتماعية.

 للأسف الشديد، وقد تعرض عدد منهم لحوادث شغل خطيرة دون حصولهم على أي تعويض، كما تعرضت بعض النساء الآسيويات للاستغلال الجنسي، لدى بعض كبار القوم دون حماية تذكر.

 وبدأت فكرة الدفاع عن حقوق هؤلاء العمال، بعد أن تواصل معنا خبير مغربي من منظمة العمل الدولية، وأطلعنا على مآسي واستغلال اليد العاملة الأفريقية في مجالات مثل البناء والزراعة، ومهن أخرى يرفضها الشباب المغربي عادة لضعف الأجرة وسوء شروط العمل، وبالتالي يلجأ أرباب المقاولات الى العمال الأفارقة العاطلين عن العمل وحتى دون وثائق الإقامة، بحيث يتم استغلالهم. فكانت نقطة التحول هي وفاة عامل أفريقي في ورش بناء، والتستر على سبب الوفاة، وفي فاتح ماي 2012، تأسس أول تنظيم نقابي للعمال المهاجرين بالمغرب منظم تحت لواء، المنظمة الديمقراطية للشغل، وبدأنا برفع تقارير الى الجهات الحكومية المسؤولة، حول استغلالهم وعملهم في ظروف غير إنسانية. في تلك الفترة، كان المغرب يواجه انتقادات من منظمات دولية بشأن عدم احترامه لحقوق المهاجرين، خاصة وأنه كان يُنظر إليه كـ "دركي" يحرس حدود أوروبا ويمنع الهجرة السرية عبر البحر الأبيض المتوسط.

في سنة 2013، قدم المجلس الوطني لحقوق الإنسان تقريرا موضوعيا لجلالة الملك حول الهجرة واللجوء بالمغرب. وأكد التقرير أن المغرب تاريخيا أرض للهجرة، سواء كبلد استقبال أو عبور، ودعا إلى بلورة وتنفيذ سياسة عمومية فعلية في مجال الهجرة ترتكز على حقوق الإنسان، وتضمن المساواة بين المواطنين والأجانب، وتعزز التعاون الدولي في هذا المجال. كما أشار التقرير إلى الجهود الإنسانية التي يبذلها المغرب في حماية المهاجرين.

بشكل عام، ومثل هذا التقرير خطوة مهمة نحو إرساء سياسة هجرة متكاملة وإنسانية في المغرب، مع التأكيد على ضرورة التعاون الدولي ومراعاة حقوق الإنسان في هذا المجال.      

  وتضمن التقرير الموضوعاتي الذي رفع إلى جلالة الملك تجربة المنظمة الديمقراطية للشغل، كتجربة فريدة ومميزة في تنظيم العمال الأجانب، أفارقة أو غيرهم، بجانب ما تقوم به عدة جمعيات المجتمع المدني المهتم بالهجرة واللجوء، وكان من نتائجه تغير مواقف عدة منظمات دولية اتجاه المغرب في موضوع حقوق الإنسان والمهاجرين. ولهذا واصلت المنظمة الديمقراطية للشغل عملها في تنظيم العمال المهاجرين، بل أيضا أسسنا نقابة العمال المغاربة في المهجر...

= من خلال اشتغالكم على هذا الملف، ما تقييمكم لتعامل المشغلين المغاربة مع العمال الأفارقة؟

يختلف تعامل المشغلين المغاربة مع العمال الأفارقة تبعًا لمجالات العمل. في بعض القطاعات، مثل مراكز الاتصال والتواصل، يجد العمال الأفارقة الذين يتميزون بمستوى تعليمي عالٍ أو يتقنون اللغات الفرنسية والإنجليزية بيئة عمل تحمي الحد الأدنى من حقوقهم.

على النقيض من ذلك، تلاحظ ممارسات استغلالية في قطاعات مثل البناء والأوراش والعمل في الاقتصاد غير المهيكل. هنا، غالبا ما يشتغل العمال الأفارقة بأجور زهيدة، وفي غياب أي حماية اجتماعية أو وقائية من الحوادث المهنية. وفي أغلب الحالات يشتغلون "كعطاشة " في ظروف سيئة جدا.

=هل تتوفرون على   إحصائيات حول عدد العمال الأفارقة بالمغرب؟

وفقًا لنتائج الإحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 2024، بلغ العدد الإجمالي للسكان القانونيين للمملكة 36,828,330 نسمة في فاتح شتنبر 2024. من هذا العدد، تم إحصاء  148,152 أجنبيًا.

ومع ذلك، تظل المعطيات حول عدد الأفارقة من جنوب الصحراء غير دقيقة، نظرا لطبيعة هؤلاء المهاجرين غير المستقرة في المغرب، فبعضهم يختار الهجرة إلى وجهات أخرى، وبعضهم الآخر يتم إعادته إلى وطنه، بينما تدخل أعداد جديدة سنويا عبر الحدود، خاصة الجزائر وموريتانيا والدول التي تتعامل مع المغرب دون تأشيرة كالسنيغال، وهم أكثر المهاجرين حاليا بالإضافة الى الشباب السوداني الهارب من الحرب، وينتقلون بين المدن في عمليات الترحيل التي تقوم بها السلطات من حين لآخر، ثم  أن نسبة مهمة منهم انتقلت الى أوروبا بطرق مختلفة.

 =كيف تروون تدبير الدولة لملف الهجرة واللجوء؟

تتميز طريقة تدبير المغرب لملف الهجرة بكونها شاملة وإنسانية، وقد تعززت هذه المقاربة بشكل كبير بعد عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي، حيث شكلت عودة المغرب إلى الاتحاد الأفريقي في القمة الثامنة والعشرين خطوة استراتيجية، حيث تم اختيار جلالة الملك محمد السادس "رائدًا للاتحاد الإفريقي في موضوع الهجرة".

 وقد قدم جلالته "الأجندة الأفريقية حول الهجرة"، وهي وثيقة أُعدت وفق مقاربة شمولية وتشاركية، كما تم اختيار المغرب مقرًا للمرصد الأفريقي للهجرة.  ويهدف المرصد إلى جمع البيانات وتطوير سياسات قائمة على المعرفة في مجال الهجرة، كما أن ميثاق مراكش للهجرة: الاتفاق العالمي من أجل الهجرة الآمنة والمنظمة والنظامية، الذي يعتبر أول اتفاق حكومي دولي، تم إعداده تحت رعاية الأمم المتحدة، من أجل تغطية جميع أبعاد الهجرة الدولية، بطريقة كلية وشاملة. وجرى اعتماده في مؤتمر حكومي دولي بشأن الهجرة في مراكش، بالمغرب في 10 دجنبر2018.

ورحبت المفوضية السامية لحقوق الإنسان بالاتفاق العالمي كإطار مهم من أجل تعزيز إدارة الهجرة التي تضع مسألة المهاجرين وحقوقهم الإنسانية في صميمها وتقدم فرصة سانحة من أجل تعزيز حماية حقوق الإنسان لجميع المهاجرين، بصرف النظر عن وضعهم. وكان هذا كله ثمرة سياسة المغرب في تدبير ملف الهجرة بمقاربة انسانية واجتماعية والتخلي عن المقاربة الأمنية.

  واعتمدت الأمم المتحدة الميثاق مراكش كخارطة طريق لتفعيل سياسات الهجرة المنظمة والآمنة على المستويات الوطنية والإقليمية والقارية والدولية.

وجدير بالذكر أن السلطات المغربية تعتبر اليوم ملف المهاجرين من الملفات التي تحرص على حسن تدبيرها منذ سنة 2013، وبناء على التعليمات الملكية السامية، ينهج المغرب سياسة إنسانية تهدف إلى إدماج المهاجرين واللاجئين، مع احترام حقوقهم وكرامتهم.

 يتمتع المهاجرون، كباقي المواطنين المغاربة، بالحق في التعليم، السكن، الصحة، التكوين المهني، والتشغيل.

 هذه السياسة لاقت إشادة دولية واسعة بما في الأمم المتحدة والمنظمة العالمية للهجرة وتبني المغرب استراتيجية وطنية في مجال الهجرة: مثلت هذه الاستراتيجية تحولًا كبيرًا في حكامة الهجرة، من خلال دمج نموذج احترام حقوق المهاجرين ضمن منطق تضامني وشامل.

 * تسوية الوضعية القانونية: في عامي 2014 و2016، بتعليمات من جلالة الملك أطلق المغرب عمليتين استثنائيتين لتسوية الوضعية القانونية لآلاف المهاجرين غير النظاميين، مما مكّن من تسوية وضعية أكثر من 50 ألف أجنبي، من 111 جنسية معظمهم من دول أفريقيا جنوب الصحراء والسوريين.

 وفي الأشهر الأولى من سنة 2023، تمت تسوية وضعية 2300 لاجئ آخرين لتمكينهم من التمتع بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية الأساسية وتسهيل اندماجهم في سوق الشغل.

 وعمل المغرب على مكافحة شبكات التهريب والاتجار بالبشر، حيث تبنت السلطات المغربية مقاربة أمنية فعالة لمكافحة هذه الشبكات.

 وقد أسفرت هذه المقاربة عن إفشال وإحباط أزيد من 78 ألف محاولة للهجرة غير النظامية سنة 2024، وذلك بفضل نجاعة أنظمة مراقبة الحدود والسواحل، وأن 58 بالمائة من المهاجرين الأجانب غير النظاميين ينحدرون من بلدان غرب إفريقيا، و12 بالمائة من الدول المغاربية، و9 بالمائة من دول شرق ووسط إفريقيا". كما تم تفكيك ما مجموعه 332 شبكة للاتجار بالبشر"، وهي شبكات تعمل باستمرار على تطوير استراتيجياتها وتجميع خدماتها وأنشطتها الإجرامية.

وتم تسجيل 14 عملية اقتحام ومحاولة اقتحام في محيط مدينتي سبتة ومليلية، المحتلتين   شارك فيها أكثر من 4290 مهاجرا، وتم أيضا إنقاذ 18 ألفا و645 مهاجرا في عرض البحر، لافتا أنهم تلقوا المساعدة والمواكبة الطبية والإيواء والتوجيه، في إطار التدبير الإنساني للحدود.

 لكل ما سبق فلا يوجد رقم رسمي لعدد الأفارقة المقيمين في المغرب لعام 2025، ومع ذلك، يمكننا الاستناد إلى أحدث الإحصائيات المتاحة وتقارير الهجرة لتقدير العدد التقريبي ونسبة كبيرة من المهاجرين بالمغرب متقاعدون فرنسيون.

= ما تفسيركم لتزايد الفيديوهات التي توثق لسلسلة من الاعتداءات التي نفذها مهاجرون أفارقة بعدة مدن مغربية؟

بالفعل انتشرت فيديوهات توثق لسلسلة من الاعتداءات التي قيل إن منفذوها مهاجرون أفارقة في عدد من المناطق بجهة الدار البيضاء سطات وأكادير وغيرها. وهنا أشير إلى أنه بالفعل تقع حوادث شجار من حين لآخر بين الشباب الأفريقي والشباب المغربي، لكني لا أستبعد أن تكون مثل هذه الروايات ناتجة عن حوادث فردية يتم تضخيمها أو معلومات مغلوطة، وغالبا ما يتم ربط المهاجرين بشكل غير عادل بزيادة معدلات الجريمة، لكن الإحصائيات الرسمية عادة لا تدعم هذه المزاعم.

والعوامل التي قد تؤدي إلى توترات اجتماعية أو حوادث فردية قد تشمل:

 * الظروف المعيشية الصعبة: يعيش العديد من المهاجرين في ظروف صعبة، بما في ذلك الفقر ونقص فرص العمل، مما قد يؤدي إلى بعض الاحتكاكات الفردية، فـ 70% من المهاجرين يعيشون تحت خط الفقر، وكذا الاكتظاظ في السكن والذي يصل الى 15 شخص في غرفة واحدة.

ومع ذلك نجد أن الجرائم المرتكبة من طرف المهاجرين لا تتجاوز 3% من الإجمالي. بالمقابل فـ  90 % من المهاجرين القانونيين يعملون في قطاعات منتجة، وبعضهم كان طالبا جامعيا بالمغرب واختار الاستقرار.

 * التهميش والإقصاء: الشعور بالتهميش أو الإقصاء الاجتماعي قد يؤدي إلى سلوكيات سلبية لدى بعض الأفراد من المهاجرين غير النظاميين فضلا عن ظهور بعض الحالات مصابة بأمراض نفسية وعقلية وهي الحالات التي يتم ترويج أفعالها عبر وسائط التواصل الاجتماعي.

 ناهيك عن الصراعات فيما بينهم بين الجنسيات تصل الى الضرب والجرح كما أن بعض الشباب اليائس من عدم تمكنه من الهجرة السرية الى الضفة الأخرى، ودون عمل هنا يعيش في قلق دائم عن مصيره وبالتالي قد يلجأ الى السرقة أو ممارسات مخلة بالقانون.

* الصورة النمطية السلبية التي يتم الترويج لها من طرف البعض حول المهاجرين في خلق تصورات خاطئة عنهم وتضخيم أي حوادث فردية. فمثلا.   الاعتداء الذي قام به بعض الشبان المغاربة في الجارة الاسبانية، وهم في وضعية غير قانونية، كان من نتائجه تعرض المهاجرين على إثره لاعتداء من طرف متطرفين إسبان، ولهذا لا يمكن تعميمه على الجالية المغربية في إسبانيا التي تعد بعشرات الآلاف، ويساهمون في الاقتصاد الاسباني بشكل كبير.

من المهم دائمًا الاعتماد على مصادر موثوقة وتقارير رسمية عند تقييم مثل هذه الظواهر الاجتماعية، وتجنب التعميم أو إصدار الأحكام بناءً على حوادث فردية او تزوير فيديوهات.

فالدولة المغربية تدبر سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وأخلاقيا هذا الملف تحت رعاية جلالة الملك.

ونتيجة لهذه المقاربة، ارتفع معدل الاستثمارات المغربية في افريقيا، في منافسة قوية مع دول كمصر وجنوب افريقيا، كما أن هذه الشركات تشغل طاقات وكفاءات مغربية في هذه البلدان. 

وفي نظرنا المتواضع وجب حراسة حدودنا من الهجرة غير النظامية، وعصابات الاتجار بالبشر، والتي تقودها الجزائر لإغراق المغرب بالمهاجرين غير النظاميين.