يطغى الخطاب الشعبوي، حينما تغيب الشفافية، وتسود الإشاعة.. القصد هنا بالشعبوية الخطاب السياسي والنهج الذي "يصور المجتمع كصراع ثنائي بين الشعب "النقي" والنخبة "الفاسدة"، وليس الشعبوية أو العقل الشعبوي، كما حدده المفكر "إرنيستو لاكلو"، وهو المفهوم الذي يسعى إلى توحيد مطالب فئات مختلفة ورفعها في وجه السلطة... فالمفهوم الأول يعتمد السطحية والعدمية ورفض كل شئ، أما العقل الشعبوي فيعتمد على المساهمة في الدينامية الاجتماعية كعامل تطور...
مع التطور الحاصل في مجال التواصل، ومع الخيارات الكثيرة التي تفسحها وسائل التواصل الاجتماعي، أصبحت الشعبوية السطحية أكثر انتشار، وأخذت في التوسع بشكل ممنهج في بعض الحالات.
في الواقع المغربي، أصبحت الشعبوية في شبكات التواصل الاجتماعي سائدة، وسهلة الانتشار، لطبيعة آليات الخطاب الشعبوي، لكن أيضا لوجود عاملين أساسيين يعملان على تغذيتها، العامل الأول هو انتشار الأخبار الزائفة، وأحيانا الأخبار المضللة.. والعامل الثاني مرتبط بغياب الشفافية وغياب التواصل الحكومي...
لا شك أن في الممارسة الحكومية في بلادنا جوانب مضيئة، خصوصا مع مجهودات مبذولة في عدة قطاعات..لكن هناك قصور في عدة جوانب وهذه من طبيعة الأشياء، خصوصا مع وجود تحديات سواء في ما يتعلق بالموارد أو التقنيات وربما عوامل ثقافية.
في ظل هذا الواقع، وأمام فشل الحكومة في التواصل، لا يتم تثمين الإيجابي من المنجزات، وبالطبع يحس الناس بالقصور، انطلاقا مما يواجهونه في حياتهم اليومية، أو ما يروج له في إطار الخطاب الشعبوي التبسيطي السطحي.
غير أن الخطير في كل ما سلف هو غياب المعلومة وغياب الشفافية في عدة جوانب، واعتماد عدم الإعلان، أو سوئه، في قضايا وملفات على قدر كبير من الأهمية.. هذا الأمر يعمق من التشكيك الدائم والمتواصل في الخطاب الرسمي، ويعطي الفرصة للتضليل ونشر الشائعات والأخبار الزائفة. وكل هذا يخلق خطابا عدميا شعبويا يرى البلد ومؤسساته من خلال نظارات قاتمة السواد.
ليس هناك أي منطق يمكنه نفي ما تحقق في المغرب من تطور، خصوصا في العقود الثلاثة الأخيرة. فهناك إنجازات كثيرة تحققت على عدة مستويات. وهناك إنجازات لم تلق العناية بالشرح والدراسة.. لكن أيضا في المغرب تحديات كبرى قائمة، تتطلب عملا جبارا وإرادة سياسية حقيقة لتجاوزها. وبين المنجز والمؤجل أو المتعثر، تظهر الحاجة إلى نقاش عمومي يقوم على الشفافية والوضوح وتمكين الناس من المعلومة الصحيحة، وهذا هو المنطق الذي تقوم عليه الحكامة الجيدة، بمبدئها الأساسي في ربط المسؤولية بالمحاسبة..