الخوف من التنظيم يعني فقط الرغبة في الحفاظ على الفوضى. 

وفي ميداننا الإعلامي، يجمع كل المنتسبين عن حق أو زورا إليه، أن "الفوضى ضربته في مقتل، وأنه وصل حدودا غير مقبولة من التيه، ومن الضروري وضع حد لكل هذا التردي، ومن اللازم الضرب بيد من حديد على كل من يساهم، من قريب أو من بعيد، في هذا الهوان العام الذي جعل مهنة نبيلة مثل الصحافة تستباح بهذا الشكل البئيس حقا". 

هذا في النظري. وهذا في الشعار. وهذا في الكلام فقط. 

ذلك أنك عندما تضع يديك الباردتين معا في العصيدة الإعلامية الساخنة، وتقول "حي على الإصلاح"، يخرج لك من كل جانب حملة الشعارات أعلاه لكي يقولوا لك بكل بساطة "لازربة على صلاح"، ولكي يضعوا أمامك ملايين العراقيل التي يجب أن تؤخر - حسب زعمهم الغريب- أي تحرك - أماما وخلفا، و يمينا وشمالا- في هذا الميدان. 

مصيبة حرفة الصحافة واحدة ومعروفة وبسيطة: أهلها، أو المحسوبون عليها. 

هذه قبيلة من نوع خاص جدا: إذا كانت في شيء ما، فهو رائع وطيب وجميل. 

إذا لم تكن فيه، فهو مذموم وسيء ومشبوه ومن الضروري محاربته. 

فقط لاغير، وسيكذب عليكم بشكل مفضوح من يقول لكم كلاما آخر غير هذه الخلاصة، وصدقوا مجربا أمضى مايقترب الآن من الثلاثين سنة في المجال، وتعرف على كل أنواع الصحافة والصحافيين. 

لاخلاصة إلا هذه الخلاصة. 

لذلك لابد مما ليس منه بد. ومن الغباء والحمق انتظار تحقق الإجماع في ميدان يعتقد كل واحد من المنتسبين إليه أنه لوحده "علم من أعلام الدنيا في هذا المجال"، ولاتستطيع أن تزيل من ذهنه هذا الاعتقاد الراسخ وهذا الإيمان القطعي، وإن استعنت بكل حجج الدنيا. 

لذلك لامفر: لابد من إصلاح المجال إصلاحه النهائي. 

لابد من تقوية المؤسسات الإعلامية المغربية الكبرى، لأن منطق الدكاكين الفردية غير صالح. 

لابد من توفر مجلس وطني للصحافة، قوي، متجانس، مهني، يشتغل على إصلاح الميدان وتطويره، وإصلاح حال أهل المهنة، وتوفير أفضل الشروط لممارستها. 

لابد من تنظيم ذاتي حقيقي للحرفة. 

لابد من تمثيل المشهد الإعلامي تمثيليته الحقيقية التي تعبر عنه، لا تمثيلية التوافقات الزائفة التي قتلته منذ القديم. 

لابد من دخول العصر الجديد من بوابته الكبرى لأن المستقبل هو اليوم، وهو لايرحم، وصحافة الماضي أفضل إكرام لها هو دفنها، والإيمان بالغد حلا لنا نحن جميعا. 

لابد من تشبيب القطاع، وهذا أهم مافي الحكاية، لذلك لنعد قولها: لابد من تشبيب القطاع، وعلينا نحن الكهول، وقبلنا آباؤنا المؤسسون المحسوبون على صنف الشيوخ أن نشرع في التفكير بجدية في هذا الأمر، وأن نتيح لأجيال المغرب الجديدة الوصول في هذا الميدان إلى قمته وتسييره، وألا ننتظر وصولها إلى أرذل العمر لكي نفسح لها بعضا من المجال. 

علينا ألا نكرر أخطاء من سبقونا، حين جعلوا الميدان وقفا عليهم، ورفضوا الأصوات الجديدة، ومارسوا ضدها كل أنواع الحروب، وطبعا انهزموا، لأن المستقبل فاز ويفوز وسيفوز دوما على الماضي، لكنهم أضاعوا على الكل وقتا ثمينا. 

علينا باختصار أن نتخلى، ولو مرة واحدة في العمر عن خصلتي الغباء والأنانية، لكي نترك لقطار الإصلاح الحقيقي أن يعبر سكتنا. 

هذه فرصة تاريخية لنا جميعا. نتمنى بكل صدق نية ألا نضيعها. 

ترى هل ستسمع القبيلة العجيبة، ولو مرة واحدة في عمرها، نداء العقل والمهنة والواجب والمنطق؟ 

سنرى.