في الوقت الذي تمثل 70 في المائة من النسيج المقاولاتي ، يبرز "تسليم المشعل" أو الانتقال بين الأجيال كأبرز تحديات المقاولات العائلية بالمغرب.
لمواجهة هذا التحدي، استبق أرباب المقاولات العائلية المغربية إلى إحداث معهد "المقاولة العائلية" من أجل توحيد الرؤى لتعزيز استمراريتها، وتثمين مساهمتها في الاقتصاد الوطني، إلى جانب تعزيز أفضل ممارسات الحكامة، بما يضمن انتقالا سلسا وناجحا عبر الأجيال.
المعهد عقد، مؤخرا جمع العام العادي الانتخابي، لاختيار ثنائي رئاسي جديد،حيث تم تجديد الثقة في قاسم بناني سميرس لمواصلة مهامه كرئيس للمعهد، في حين تم انتخاب أمين بنكيران نائب أول للرئيس، خلفا لجليل بنعباس الطعارجي
لكن على هامش هذا الجمع،تم تنظيم ندوة تحت عنوان "تسليم المشعل"، خصصت لموضوع الانتقال بين الأجيال، حضرها عدد كبير من مسيري وممثلي المقاولات العائلية، بالإضافة إلى شخصيات اقتصادية مرموقة، كما افتتحها وزير الصناعة والتجارة، رياض مزور.
بالنسبة لوزير الصناعة والتجارة، فإن المقاولات العائلية، عبرت عن قدرتها على الصمود، وتجذرها القوي في مختلف جهات المغرب، بالإضافة إلى مساهمتها في خلق فرص الشغل وتعزيز الاستقرار الاقتصادي، مجددا في الوقت ذاته التذكير بالدور المهم الذي تضطلع به هذه المقاولات يوميا في دعم دينامية الاقتصاد الوطني.
مقابل ذلك، يبقى الانتقال بين الأجيال أبرز تحد "وجودي" يتهدد المقاولات العائلية،والأمثلة كثيرة على تجارب إنسانية مريرة، مر منها مقاولون عانوا من عدم اهتمام الأبناء، أو عدم وجودهم أصلا، بل حتى مع وجود أبناء مهتمين حدثت مشاكل فيما يتعلق بالانتقال.
لذلك ، نحت الندوة إلى عدم تناول هذا الموضوع الشائك من زاوية الانتقال كقطيعة، بل كبناء مشترك، يقوم على الوعي والصبر.
بهذا الخصوص،عرفت الندوة محطتين بارزتين اتسمتا بلحظات مؤثرة وذات عمق إنساني.
المائدة المستديرة الأولى تمحورت حول الرهانات الحقيقية للانتقال داخل المقاولات العائلية من خلال عرض شهادات وتجارب واقعية وغنية، فيما اتخذت المائدة المستديرة الثانية شكل حوار بين الأجيال داخل نفس المقاولة، كشفت عن العمق الإنساني لهذا الانتقال، من خلال تسليط الضوء على القيم، الذاكرة، الروابط العاطفية، إلى جانب تقاطع الرؤى حول المستقبل.
لكن تبقى أكثر اللحظات قوة لحد "المفارقة"، عندما يتخلص مقاولون "صارمون" من الأرقام والجوانب التقنية والمالية لمقاولاتهم، ليتقاسموا هذه المرة وبكل عفوية تجارب تسليم أو تمرير المشعل داخل مقاولاتهم، في ظروف اتسمت أحيانا بالحزن أو تطلبت الاستعداد أو المسؤولية.
لمواجهة ذلك، أطلق المعهد دينامية جماعية هيكلية ترتكز على تعزيز الحكامة وإعداد الجيل الجديد من رواد الأعمال وتوطيد الحوار بين الأجيال من أجل دعم ومواكبة المقاولات العائلية المغربية في تنوعها وتطورها.
إلى جانب ذلك، فالمعهد الذي يحظى حاليا بدعم كبير من معهد المقاولة إسبانية، كما انضم بعد عام على تأسيسه على شبكة الشركات العائلية الدولية
كما دخل المعهد أيضا في شراكة مع مؤسسة التمويل الدولية، التابعة للبنك الدولي، حيث واكبت هذه المؤسسة معهد المقاولة العائلية بالمغرب في تنظيم سلسلة من الندوات حول مواضيع مهمة، من بينها الانتقال بين الأجيال وتنظيم الفضاء العائلي.
المعهد أطلق أيضا دراسات جوهرية لتوثيق الواقع المحلي وبناء اقتراحات ملموسة، من بينها دراسة أنجزت بشراكة مع "SFM"،حول تأثير النظام الضريبي الخاص بالشركات القابضة العائلية على عملية الانتقال بين الأجيال، إلى جانب إعداد تقرير حول تأثير إصلاح مدونة الأسرة على ممارسات الهبة داخل المقاولات العائلية، اُسنِد إنجاز هذا التقرير للأستاذ عبد الوهاب رفيقي.