شكلت تحديات وفرص حكامة ذكاء اصطناعي موثوق به في عصر الثورة الصناعية الرابعة محور جلسة نقاش عقدت، يوم الثلاثاء فاتح يوليز في سلا، في إطار المناظرة الوطنية الأولى للذكاء الاصطناعي.
وشدد المتدخلون خلال هذا اللقاء على أن الذكاء الاصطناعي، الذي يحدث تحولا عميقا في مجالات العلم والاقتصاد والمجتمع، يتطلب حكامة وإطارا أخلاقيا على الصعيد العالمي.
وفي هذا الصدد، عرف المدير العام للمعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية، محمد توفيق مولين، الذكاء الاصطناعي بكونه مقاربة أخلاقية تعزز الكرامة الإنسانية، والتنوع، والشمول، كما ورد في توصيات اليونسكو، وقانون الذكاء الاصطناعي الصادر عن الاتحاد الأوروبي، والقرار الأممي الذي تم اعتماده برعاية مشتركة من المغرب والولايات المتحدة في مارس 2024.
وقال مولين إن "على الذكاء الاصطناعي الموثوق به أن يكون مسؤولا وموجها نحو الشفافية، والمساءلة، واحترام الحقوق الأساسية”، مضيفا أنه يستند إلى أنظمة مصممة ومحوكمة بطريقة تمكن من التحكم في المخاطر مع تعظيم الفوائد للمجتمع.
وأشار إلى أنه لمواجهة مخاطر التضليل الإعلامي، والتفكك الاجتماعي، والاختلالات الجيوسياسية، ينبغي أن يستند الذكاء الاصطناعي الموثوق به إلى ثلاثة ركائز أساسية هي: الحكامة السيادية، والحكامة الاستباقية، والحكامة التشاركية.
وبخصوص منظومة المغرب في هذا المجال، استعرض مولين عددا من المشاريع والمبادرات التي تمنح البلاد إشعاعا دوليا، من بينها مركز ” AI Mouvement” التابع لجامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية المصنف من طرف اليونسكو ضمن الفئة 2، ومدرسة الهندسة الرقمية والذكاء الإصطناعي التابعة للجامعة الاورومتوسطية بفاس، وكذا مركز البحث والتطوير التابع لشركة "أوراكل”، الذي تم إطلاقه في يونيو 2025.
أما على المستوى التشريعي والتنظيمي، فأوضح أن المملكة تتوفر على مجموعة من القوانين التي تؤطر الحقوق الرقمية، وحماية المعطيات الشخصية، إضافة إلى خدمات الثقة المتعلقة بالمعاملات الإلكترونية.
وأضاف المدير العام للمعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية أن خارطة طريق الذكاء الاصطناعي الموثوق به يجب أن تعطي الأولوية لتكوين الكفاءات، والابتكار، والشراكة بين الدولة والجامعات والفاعلين الاقتصاديين، فضلا عن التعاون الدولي.
من جهته، أكد رئيس المركز المغربي للدراسات الاستراتيجية، محمد بنحمو، أن الذكاء الاصطناعي الموثوق به يقوم على مكتسبات محددة، من بينها التدخل والإشراف البشري والمصداقية التقنية، وسرية البيانات، والشفافية.
وأضاف أن الهدف من حكامة الذكاء الاصطناعي يتجلى في تأطير وتقليص المخاطر المرتبطة بهذه التكنولوجيا من خلال وضع قواعد ومعايير تطبق على امتداد دورة حياة الذكاء الاصطناعي، بدءا من مرحلة التصميم، مرورا بالتطوير، ووصولا إلى التشغيل، وذلك من أجل ذكاء اصطناعي مسؤول وموثوق ويحترم الحقوق الأساسية والمبادئ الأخلاقية.
وشدد بنحمو على أن "المغرب ينبغي أن ينخرط في دينامية التعاون الدولي في هذا المجال، بما يمكنه من تحويل حكامة الذكاء الاصطناعي إلى رافعة للدبلوماسية الإقليمية، وبناء نموذج إفريقي سيادي”، مبرزا أن المملكة تتوفر على المؤهلات التي تخول لها الريادة في مجال الذكاء الاصطناعي الموثوق به على الصعيد القاري.
وحذر بنحمو في المقابل من الارتهان لحلول الفاعلين أجانب، لا سيما عبر استضافة بيانات حساسة على سحب إلكترونية خارج التراب الوطني، ومن خطر تبني نماذج لا تتلاءم مع السياق الوطني، داعيا في هذا الصدد إلى تشجيع الذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر المحلي، والاستثمار في قدرات البحث والتطوير الوطنية.
للإشارة، فإن المناظرة الوطنية حول الذكاء الاصطناعي تنعقد تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، وتهدف إلى إلى تحديد ملامح استراتيجية وطنية سيادية للذكاء الاصطناعي، تتكيف مع احتياجات السكان والقطاعات الاستراتيجية، وتتماشى مع التوجيهات الملكية السامية.
ويتوزع برنامج هذه المناظرة على مدى يومين يخصص الأول منها لجلسات تقنية خاصة بكل قطاع، وعروض توضيحية للمقاولات الناشئة المبتكرة المدعومة بالذكاء الاصطناعي، بينما يركز اليوم الثاني على الأبعاد السياسية والتعاون الدولي في الذكاء الاصطناعي.