بدأ يزمجر ويتحدث بصوت غير مسموع. انتبه إلى مروري بجانبه، فرفع صوته حد الصراخ ملوحا بأوراق "كلنيكس"، جمعها من الرصيف. خاطبني: أنظر هؤلاء الحيوانات يرمون بالقمامة في الأرض دون احترام... ويقولون بأنهم سينظمون كأس العالم... سينظمون (.....). الكلمة التي تفوه بها كانت قبيحة وخادشة.. غير أن ما ساقه من إشارة إلى تنظيم كأس العالم وربطه ببعض سلوكات المجتمع من عدم احترام مجموعة من القواعد، يطرح بالفعل عدة أسئلة..
عامل النظافة هذا وقف عند علاقتنا بالمشترك العام، ومنه الشارع.. فالتخلص من النفايات في الشارع العام عادة يمارسها العديد من الناس دون أن يرف لهم جفن. فأن يرمي الشخص مخلفات بعض الأشياء، التي يرى أنها بسيطة، هي عادة لا يفهم البعض منها بأنهم يشوهون المرفق العام ويساهمون في ملء الطرقات والساحات والأزقة بالأزبال. وينتظرون من الآخر جمعها والعمل على تنظيف المرافق العمومية. والأخطر من هذا ما يرافق المشهد من تعليقات مضحكة أحيانا، من كون مدننا وشوارعنا مملوءة بالأزبال.
إثارة عامل النظافة المذكور لتنظيم كأس العالم، وعلاقة الأمر بسلوكاتنا، يطرح بالفعل موضوعا أساسيا وعلى قدر كبير من الأهمية. ما نلاحظه من أشغال متسارعة وممتدة عبر كل ربوع المملكة، يركز على البنيات التحتية، من ملاعب وطرق وممرات وفنادق ومطاعم وحدائق وغيرها، يبين مستوى التحدي الذي يفرضه تنظيم كأس العالم. غير أن تنظيم تظاهرة عالمية تشد لها الأنظار من كل البقاع تفرض تحديات أخرى منها ما يتعلق بالجوانب الثقافية والحضارية وإبراز مقومات البلد ومؤهلاته السياحية.
لا شك أن بلدنا يتوفر على إمكانيات كبيرة، ومقومات عديدة تغري بالاكتشاف والمعرفة والاستمتاع، سواء ما يتعلق بالمناظر أو بالمآثر أو بالمواقع التاريخية وغيرها. في المغرب البحر والجبل والصحراء. فيه الخضرة والرمال والواحات. فيه أيضا مواقع تاريخية وآثار عن تاريخ البشرية والبيئة الطبيعية والأنماط البيولوجية. وفيه الإنسان. وهذا الأخير يجب العمل عليه قصد تهيئته ليكون في مستوى معدنه الأصيل. وليس جانب التربية على سلوكيات، منها نظافة المرافق العمومية، سوى نموذج على هذا البناء.
جدير بالعلم أن بلدانا في المعمور وصلت إلى مستوى تربية الناس على عدم رمي القمامة، مهما كانت بسيطة، في الشارع، لم يأت عبثا، وإنما جاء ببدل مجهودات تربوية وقانونية وزجرية صارمة. وهي أشياء نحن في أمس الحاجة إليها.
الاستعداد المادي لتنظيم كأس العالم يجب أن يرافقه استعداد آخر بشري. نحن في تحدي، وعلينا أن نبين للعالم قدرتنا على تنظيم تظاهرات عالمية كبرى، لكن الأهم أن نبين للناس معدننا الأصيل في الثقافة وفي الحضارة وفي السلوك والعمل. وهذا الأمر منوط بكل مؤسسات التنشئة الاجتماعية، لكن أيضا منوط بالجوانب التشريعية والتنفيذية وذلك بفرض قواعد زجرية تحمي مجالاتنا من التشويه، ومن ممارسات قبيحة في مقدورنا التخلص منها بشكل تام. ولن نعدم الطرق والوسائل في ذلك، خصوصا مع وجود نماذج دولية نجحت بشكل مبهر.