قدم الكاتب والوزير السابق، محمد الأشعري، قراءة تأملية في مذكرات رفيق دربه، فتح الله ولعلو، في لقاء احتضنته مؤسسة عبد الرحيم بوعبيد ، يوم 20 يونيو الماضي، وعرف حضورا لافتا لعدد من المثقفين والفاعلين السياسيين.
وفي البداية، توقف الأشعري مطولا عند الأسئلة التي تطرحها كتابة السيرة الذاتية، معتبرا أن المذكرات ليست فقط سردا لحياة شخصية، بل تمرينا على التأويل ومناسبة لمساءلة الذات والواقع، وهو ما قال أنه قد وجده حاضرا في تجربة ولعلو و إن بشروطها الخاصة.
وبعدما استهل مداخلته بطلب الإذن من الحاضرين ومن ولعلو لبسط ما أسماها "تأملات شخصية"، شدد الأشعري على أن كل قراءة لسيرة ذاتية هي فعل تأويلي محكوم بخلفية القارئ وفضوله ومساراته، متسائلا في معرض تحليله: "لماذا نكتب المذكرات؟ للدفاع عن فكرة؟ لتقديم روايتنا الخاصة؟ أم للبوح بما لم يتح للقول سابقا؟"... ليخلص إلى أن السؤال الجوهري هو الذي يطغى على كل ما سبق، هو: "ماذا تعني الكتابة لمن عاش حياة عامة طويلة ومركبة؟"
حيث اعتبر ذات المتحدث ان الكتابة فعل تحرر من ضغوط السياسة وقيودها، إذ تتيح للمؤلف أن يتحرر من عباءة الرسمي والوظيفي، ليعبر عن ذاته كما هي، حتى لو أثار ذلك حرجا أو جدلا أو خرقا لتقاليد التحفظ.
معبرا، رغم ذلك، عن إحساسه بأن ولعلو، وإن كتب بحرية نسبية، إلا أنه ظل وفيا لنوع من التحفظ السياسي، وكأنما ظل جزء من وعيه العمومي حاضرا في خلفية الكتابة.
من جهة أخرى، أشار الأشعري إلى أنه كان يتوقع حضورا أقوى للتفاصيل الحميمة في المذكرات، كالتجارب الشخصية والعائلية، والعلاقة بالفنون، معتبرا أن غيابها يحرم القارئ من أبعاد إنسانية ضرورية لفهم صاحبها.
حيث عزا ذلك إلى ما وصفه بفضيلة الحشمة التي تميز شخصية ولعلو، معتبرا أن هذا الخيار مفهوم وله ما يبرره، لكنه لا يمنع من التطلع إلى مزيد من البوح في هذا النوع من الكتابة.
الأشعري، وفي ختام مداخلته، لم يكتفي بانطباعه كقارئ، بل طرح تساؤلات عميقة حول العلاقة بين السياسة والكتابة، وحول قدرة السيرة الذاتية على إعادة تشكيل الوعي، وتحرير صاحبها من صورته الرسمية.