أكد محمد بنعليلو رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها أنه بات مسلما عالميا أن الفساد بالنظم الصحية لا يضعف ثقة المواطنين بمؤسسات الدولة فحسب، بل يقوض القدرة الجماعية على تحقيق التغطية الصحية الشاملة (UHC) ويهدد الأمن الصحي الوطني، مشيرا في نفس الوقت تقديرات منظمة الشفافية الدولية أن % 7 من الإنفاق الصحي العالمي يفقد بسبب الفساد، فيما تعتبر منظمة الصحة العالمية الفساد يشكل أحد " المخاطر النظامية " المعرقلة بتحقيق أهداف التنمية المستدامة بمجال الصحة.

وقوف رئيس هيئة النزاهة على الفساد الذي ينخر قطاع الصحة على المستوى الوطني والدولي يأتي خلال كلمته الافتتاحية لورشة العمل حول " مخاطر الفساد في قطاع الصحة، سلسلة القيمة الخاصة بالمنتجات الطبية والقطاع الطبي الخاص " نظمتها الهيئة يومي 17 و18 يونيو 2025 بمدينة الرباط بحضور وزير الصحة والحماية الاجتماعية وخبراء في مجال الصحة، أشار إلى أن الحديث عن الفساد بقطاع الصحة ليس حديثا عن خلل جزئي أو عن مظاهر معزولة، بل هو نقاش عميق يتعلق بكيفية إدارة حياة الإنسان نفسها كحق أساسي غير قابل للمساومة، من وجهة نظر رئيس الهيئة هو تجمع بين شروط ولادة صحية وتنشئة سليمة تراعي حاجة الانسان للدواء والرعاية الطبية، وحقه في العلاج بكرامة.

وعن الوضع الصحي بالبلاد كشف بنعليلو عن دراسة مسحية أجرتها الهيئة، والتي أظهرت أن الصحة تمثل مطلب وانشغال رئيسيين لنسبة معتبرة من المواطنين، ومطالبهم تصطدم غالبا بعوائق الرشوة وضعف الجودة وتداخل المصالح والتمييز الخفي بالولوج للعلاج...، مجددا دعوته لجميع الشركاء والمتدخلين بالانضمام لورش الإصلاح الهام كشركاء أساسيين حاملين لانشغالات النزاهة والوقاية من الفساد ومحاربته، وليس فقط كمنظرين ومتكلمين في موضوع تحيط به كثير من التوظيفات السياسية، بل كفاعلين تحدوهم الرغبة الأكيدة في الانخراط في جهود الوقاية والمكافحة.

وأشار رئيس هيئة النزاهة أن أولوية الإصلاح تقررت البدء بمجالين مركزيين في المنظومة الصحية ويكون منطلق لعمل الهيئة بهذا المجال أولها سلسلة القيمة الخاصة بالأدوية والمنتجات الطبية، حيث تظل مخاطر التلاعب والتزوير والمحسوبية والفساد قائمة رغم كل المجهودات المبذولة، والمجال الثاني القطاع الصحي الخاص الذي تطور بشكل مهم للغاية غير أن بعض الثغرات التنظيمية ومحدودية آليات المراقبة خلقت بيئة مواتية أحيانا لنشوء بعض الممارسات غير النزيهة مثل الفوترة الوهمية والتدخلات غير الضرورية.

وأكد بنعليلو أن ورش الإصلاح لا يؤسس فقط لمرحلة تشخيص الأعطاب، بل لمرحلة أكثر عمقا والتزاما في صياغة التزامات ومسارات عملية واضحة للتغيير، مشددا على ثقة تامة أن مشروع إعداد خارطة لمخاطر الفساد بقطاع الصحة سيشكل لبنة معرفية ومنهجية أساسية لرصد مواطن الفساد وتحديد أسبابه وتقدير تواتره وشدته وتقديم مبادئ توجيهية وحلول ملموسة للحد منه.

وفي نظر رئيس الهيئة أن الهدف من إعداد خريطة مخاطر الفساد ليس فقط علمي أو تقني بقدر ما هو مشروع للدفاع عن الأمن الصحي للمواطن المغربي وعن ثقته في مؤسسات بلده، وهو ما يجعل من ورشة العمل التكوينية محطة تأسيسية لوعي جماعي جديد، يشير رئيس " يحملنا جميعا ــ دولة ومجتمعا ومهنيين وباحثين ــ مسؤولية مضاعفة في جعل النزاهة الطبية والصحية ركيزة من ركائز العدالة الاجتماعية... ".