هذا حديث ذو شجون، وهذا حديث قاس على من يحترم فعلا الحرم الجامعي. وهذا حديث مؤلم لكل من يقدس التحصيل العلمي والبحث الجامعي، ويعتبر الشهادة التي تخرج بها وخرج من الجامعة وهو يحملها، عنوان تميز صغير شخصي له، ودليل نجاح - ولو واحد - في هذه الحياة.
لذلك لنحاول الحديث بهدوء دونما انجرار وراء (الحملة) التي صرخ المغني الخالد ذات يوم أنه «وسطها».
لنبدأ بطرح أسئلة عابرة، أو كالعابرة: هل هناك أساتذة مرتشون داخل الحرم الجامعي؟
نعم، مثلما هناك صحافيون مرتشون، وأطباء مرتشون، ومحامون مرتشون، وأناس من وطائف مختلفة، في القطاعين الخاص والعام، يرتشون.
هل هناك أساتذة مكبوتون يلبون رغباتهم الجنسية باستغلال طالبات في وضعية هشاشة مقابل مسارات دراسية ناجحة، أو كالناجحة؟
نعم، وهو أمر غير حصري على الجامعة وأساتذتها، إذ الكبت الجنسي مرض شائع لدى العديدين في هذا المجتمع الذي يعاني من الكثير في هذا الموضوع بالتحديد.
الآن، ما العمل عندما يصل الارتشاء والاستغلال الجنسي إلى ميادين يفترض أنها راقية وسامية وتتطلب بالإضافة إلى المستوى المعرفي والعلمي الكبير مستوى أخلاقيا لا نقاش حوله، لأن الأمر يتعلق بالمعلم الذي كاد أن يكون رسولا؟
الضرب بيد من حديد، وعدم التردد في العقاب الشديد لكل من ثبت بالفعل، وبالدليل والحجة الظاهرين، أنه قد تورط في فعل من هذه الأفعال.
فقط، لا غير.
أما أخذ ما وقع، وما يقع الآن، وما قد سيقع مستقبلا من اختلالات شاذة، تظل شاذة لحسن الحظ، باعتباره آخر مسمار في نعش التعليم العالي، وحفر القبور المختلفة لجامعتنا المغربية، ووضع كل الأساتذة الجامعيين المغاربة في سلة هذا الفساد المرضي، والتهليل بفرح جاهل وأمي أن الجامعة فقدت كل شرعية علمية وكل مشروعية أخلاقية، فكل هذا لا يعني إلا الإصابة بعقدة، أو عقد متعددة سابقة، تجاه مجال التحصيل العلمي هذا، وانتظاره «فالدورة» مثلما يقول المغاربة، من أجل تصفية حساب جاهلة مع ميدان كان له فضل كبير، وحقيقي، وثابت على الكثيرات والكثيرين منا.
أعرف أننا نعيش في زمن يكره الثقافة والمثقفين، ويمقت من «فكوا الخط»، واعتبروا الدراسة وسيلة بقاء وسط يم الرداءة المحيط والكبير.
ونعرف جميعا أن أفكارا أمية وجاهلة دخلت أذهان الأجيال الجديدة، اقتنعوا بموجبها أن «القراية» فعل نافل وإضافي وزائد ولا حاجة لأحد بها، وأنه من الممكن «اقتراف المال» بوسائل أخرى، وآمنوا بأن الارتقاء الفعلي في المجتمع هو السيارات والأرصدة البنكية، بأي شكل من الأشكال.
لكننا نعرف بالمقابل أنه من الضروري ألا نستسلم أمام اقتناع خطير وجاهل مثل هذا، وأن علينا جميعا دور مقاومة من يريدون لنا أن نقتنع أن آخر قلاع الدراسة والوعي والتعلم في المجتمع أصبحت هي الأخرى مجرد (كرنة) إضافية، ومذبح آخر تقطع فيه لحوم الفقراء، وتباع جملة وتفصيلا.
أرفض هذا الإقرار، وأتمنى أن ترفضوه معي، وأتمنى ألا نكون مخطئين معا في هذا الرفض.
فيما عدا ذلك، نطلب من العدالة ألا ترحم من ثبت أنه ساهم، وهو محسوب على هذا الميدان، في المزيد من تنفير الناس من العلم والدراسة، وكل ما يقارب منهما.
نقطة. إلى السطر.