التحديث والاهتمام بالعنصر البشري. هما السلاحان الأساسيان اللذان ما انفكت الإدارة العامة للأمن الوطني إيلاءهما العناية والاهتمام اللازمين في استراتيجيتها الرئيسية لمكافحة الجريمة والإرهاب.
منذ توليه مسؤولية المدير العام، ركز عبد اللطيف حموشي على عنصري التحديث والتكوين لإعداد جيل جديد من رجال الأمن والاعتماد على العلم والتقنية في بلوغ الأهداف التي سطرها للمؤسسة الأمنية.
بالنسبة لحموشي لم تكن قط المهمة التي يتولاها مرتبطة فقط بالإدارة كما يشير اسم المنصب الذي يشغله، بل بإنتاج استراتيجية ذكية ومتطورة لتدبير مؤسسة تشغل حيزا مهما من حياة المجتمع وترافق أفراده في عدة مستويات، من إعمال القانون إلى الخدمة العمومية والحماية ودرأ الأخطار والاستباق والتحسيس والتوعية والمساعدة الإنسانية.
وحتى عندما تم وضع الاستراتيجية العامة للأمن الوطني كان لابد من أطر كفأة لتنزيلها.
من هنا جاءت جدلية التحديث والعنصر البشري، كلاهما يحتاج للآخر، فحتى بوجود التقنية لا يمكن تفعيلها واستثمارها على أحسن وجه بدون عنصر بشري كفء وقادر على التكيف مع التطور العلمي والتحولات المجتمعية، وبالمقابل ففي غياب التقنية والإمكانيات الحديثة يصعب أداء الأدوار الأمنية على أحسن وجه لاسيما الاستباقية منها.
التكنولوجيا في خدمة الأمن
يظهر ذلك جليا من خلال التطور الذي بلغته الأبحاث التقنية والأساليب العلمية التي تسلكها تحقيقات رجال الأمن في مجمل القضايا الجنائية، والمستوى الذي بلغته الشرطة التقنية والعلمية بفضل التكوين وكذلك الإمكانات المخصصة لها من آليات للبحث ومختبرات تحصل باستمرار على شهادات المصادقة في جميع التخصصات العلمية والتقنية ما يعزز مصداقيتها. الأمر لا يتوفق هنا على ما هو كائن بل على مشاريع أخرى مستقبلية أهمها تعميم المختبرات بإحداث وحدات جهوية للشرطة العلمية والتقنية بمراكش ووجدة وفاس وأكادير والرباط، وإحداث ست مختبرات جهوية لتحليل الآثار الرقمية بولايات أمن وجدة وأكادير وطنجة ومكناس والقنيطرة وبني ملال وتزويدها بكافة الوسائل التكنولوجية والموارد البشرية الضرورية لتحليل الأدلة الرقمية واستغلالها في الأبحاث القضائية.
ومواكبة للغة العصر الرقمية انفتحت المؤسسة الأمنية على الذكاء الاصطناعي حيث قامت بإدماج هذه التقنية في عدد مصالحها وفي الخدمات العمومية المقدمة، وشرعت في استغلال هذه التقنيات لتنزيل منظومة المدن الأمنية الذكية.
هنا يظهر الفرق جليا بين الأساليب القديمة التي كانت تنتهجها المديرية العامة ومصالحها والإمكانيات التي كانت متاحة لأفرادها في اقتفاء أثر الجريمة ومحاربتها، وبين الإمكانيات الهائلة والأساليب الحديثة للتحقيق والتحري، يكفي اليوم ضرب المثل بأشهر أثر جنائي يمكن الاعتماد عليه وهو البصمة والتي كانت وحيدة وفريدة فيما مضى للوصول إلى الجناة، وأصبحت اليوم أنواعا وأشكالا، يتم استثمارها بشكل علمي لحل أكثر القضايا الجنائية غموضا. ناهيك عن أساليب وتقنيات عديدة ما كان يمكن الاعتماد عليها لولا الإمكانيات التي تم توفيرها، ومنها بالخصوص اقتناء مختبر متنقل متطور بغرض رصد وتشخيص المكونات البيولوجية.
الفكر العلمي والعملي للمدير العام للأمن الوطني لا يتوقف عند حدود استغلال هذه الإمكانيات والتقنيات لتحقيق وتطوير النجاعة الأمنية بل أيضا استثمار آليات التعاون الدولي للتوقيع على شراكات للاستفادة من التطور التكنولوجي كما هو الشأن مع اتفاقية التوأمة والتعاون التي تجمع المؤسسة الأمنية مع المختبر الأمريكي « Lawrence Livermore»، بغرض المساعدة والتنسيق لجعل العلم والتكنولوجيا وسيلة آمنة لتحقيق النجاعة في الأبحاث الجنائية. ويعتبر هذا المختبر الأمريكي واحد من المختبرات الوطنية الكبرى الموجود بولاية كاليفورنيا، والذي تتجاوز ميزانيته السنوية ثلاثة ملايير دولار ما يدل على الإمكانات الهائلة المتاحة له، ونجاعة الاستفادة من خبرته.
خبرة وكفاءة وتكوين
العناية الموكولة للعنصر البشري داخل الإدارة العامة للأمن الوطني، تتضح جليا من خلال عدد العناصر الأمنية التي تخضع للتكوين والتي تعد بالآلاف سنويا، ما يدل على الأهمية القصوى لهذه التكوينات التي تتم بمعاهد الشرطة وأيضا وفي أحيان أخرى بالخارج في إطار الاتفاقيات التي تجمع المؤسسة الأمنية مع مؤسسات دول صديقة.
التكوينات تنفتح على جميع التخصصات العلمية والتقنية والقتالية والقانونية والحقوقية والتواصلية أيضا، وتهم بذلك جميع الوحدات الأمنية والأقسام بما في ذلك المصالح الإدارية والاستعلام الجنائي الذي بات عصب التدخلات الأمنية الناجعة ضد الجريمة والإرهاب.
الهدف الأساسي للمدير العام للأمن الوطني من هذه التكوينات المتنوعة هو خلق دينامية داخلية تهدف إلى ضخ دماء جديدة والاستعانة بكفاءات أمنية شابة ومتمرسة، قادرة على المشاركة الفعالة في تحقيق أمن المواطن وسلامة ممتلكاته.
ولا يتوقف التكوين العام عند مستوى التكوين المهني الذي يرسخ أصول مهنة الأمن بكل تخصصاتها، لينسجم مع التكوين الأكاديمي الذي يوليه عبد اللطيف حموشي أهمية قصوى لاسيما أنه عضو بارز في أسمى هيئة تقريرية لجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، فاستثباب الأمن لا يتوفق بالنسبة لحموشي عند حدود التجهيزات المادية والعنصر البشري بل يتعدى ذلك إلى التكوين الأكاديمي، وهو ما يخصص له المدير العام للأمن الوطني الوقت الكافي لتدبيره من أجل الارتقاء بالأداء الأمني إلى مستوى عال. ولعل أكبر دليل على ذلك هو حرصه على أن تكون مساهمته في التكوين الأكاديمي فعالة باعتباره قوة اقتراحية في عدد من المجالات المرتبطة بالتكوين أو التدبير المرتبط بالجامعة سعيا لإعداد أطر متخصصة لها القدرة على مواجهة التحديات المعاصرة واستشراف المستقبل، وتزويدهم بأحدث المعارف والمهارات الاستباقية في عدد من التخصصات الشرطية. وبفعل مساهمته تلك تم توشيح عبد اللطيف حموشي بوسام الأمير نايف للأمن العربي من الدرجة الأولى، الذي يمنح للشخصيات الأمنية القيادية التي كان لها دور مهم وإسهام متميز في ضمان الأمن والاستقرار على المستوى العربي.
ويحرص حموشي على أن تكون هذه التكوينات المتخصصة والمنفتحة على مجالات متطورة التي تخضع لها عناصر الأمن الوطني، مدخلا أساسيا في التعيين لشغل المناصب الأمنية، بالتركيز على اختيار كفاءات من الجيل الجديد، ممن تتوافر فيهم المهنية العالية، والنزاهة والتجربة الوظيفية، وذلك ليتسنى لهم التنزيل الأمثل للإستراتيجية الأمنية الجديدة التي تروم خدمة أمن المواطن، عبر تدعيم الإحساس بالأمن، وتجويد الخدمات الشرطية، وتوطيد المقاربة التواصلية وتعزيز الانفتاح لمصالح الأمن.