أتحفتنا القناة الأولى، الخميس الماضي، من خلال برنامجها المتميز «أنموكار» برحلة روحية جميلة إلى بلاد مداغ، شرق المملكة، للاطلاع على طريقة المحبة، الزاوية القادرية البودشيشية، أو على بعض من جوانبها التي لا يعرفها الجمهور العريض، ما دام الإلمام بكل ما يهم الزاوية أمرا صعبا في برنامج واحد أو أكثر.
رحلة روحية لها أكثر من دلالة في بلد ظل دوما عصيا على تقليد الآخرين في علاقته بخالقه، وبقي باستمرار قادرا على التقاط «خيط الروح» الرقيق والغالي والنفيس، الذي يجمع في المغرب الصالحين من عباد الله ببقية خلقه، والذي جعل منه بلد الصالحين والأولياء بامتياز منذ القديم.
غير العارف سيردد بسرعة كلاما لا معنى له عن الأضرحة، والشرك، وبقية المسكوكات التي يقولها من لا يعرف فقط.
أما الحقيقة فهي أن المغاربة منذ القديم ظلوا يميزون جيدا بين العبادة الحق لوجه الله سبحانه وتعالى، وبين توسم الخير في أناس رأوا صلاحهم، وما ظهر لهم أنه حسن عبادة، والله أعلم بالسرائر، فترجوا العلي القدير أن يجعل من حسن صنيع هؤلاء الصالحين مساعدا لهم على سلك طريق المحبة والعرفان بالله، هم أيضا.
لذلك تسقط دائما تلك الأكذوبة التي تتهم الزوايا المغربية بما ليس فيها. ويعرف من يتبحر، قليلا أو كثيرا، في هذا المجال أن أهم سبب لمعاداة الزوايا في المغرب، والطرق الروحية، هو أنها شكلت صمام أمان حقيقي على امتداد التاريخ، دافع عن البلد حقا، ووقف في وجه التيارات الدخيلة وخوارج العصر الحديث، ومنع تصورا مغاليا للدين، متطرفا في النظر إلى البلاد والعباد، متاجرا بالسياسة في مجال ليس هو مجالها، من أن يسيطر على المغرب أو المغاربة.
نعم، هنا، وتحت اليافطة المباركة الكبرى لإمارة المؤمنين، وبفضل المجهود الذي قامت به طرق المحبة، وأتباع الأولياء والصالحين، تمكن المغرب من بسط أمن روحي يحسدنا عليها أغلب العالم الإسلامي، لئلا نقول كله، وهو يرى كيفية التوفيق السهلة لدى أهل المغرب بين التدين الصادق والخالص لوجه الله تعالى، وإتقان هذا التدين، والتفنن والاعتزاز بتقديس كل شعائره أكثر من الآخرين، وبين حب الدنيا والابتسام في وجهها، والاغتراف من خيرات حلالها، وعدم التنغيص على الناس بالكئيب من الكلام أو السوداوي من الشعار، في إطار فهم سوي وسليم، وهو الصحيح والله أعلم، لجوهر الدين الإسلامي، ولأخلاق نبي الرحمة سيدنا محمد عليه أزكى الصلاة والسلام، وهي أخلاق ما أبعد حركات التطرف الديني السياسي عنها. ويكفي أن تشاهد وتسمع القاموس الذي ينهل منه قادتهم ما يخرج من أفواههم، لكي تفهم بعدهم الكبير عن روح الدين الفعلية، رغم أنهم أمضوا العمر كله يتاجرون بالدين من أجل دخول البرلمان والحكومة، والاستيلاء على بقية المناصب.
شكرا للقناة الأولى على الهنيهة الروحية الجميلة التي أهدتنا إياها ذلك الخميس، وشكرا لطريقة المحبة على مواصلة الطريق نحو إقناع الناس بالحب بديلا للكراهية، وشكرا لبلد الأولياء والصالحين، أرض البركة، هذا الذي ولدنا فوق ترابه الكريم، والذي منحنا الله فيه فضلا وتميزا واستثناء لم يمنحه لغيرنا من شعوب العالم، وتلك نعمة من بين نعم كثيرة، تستحق حمد الله وشكره حتى انتهاء كل الأيام.