على  مدى عقود من الزمن عرفت هجرة المغاربة تناميا مضطردا، مع تنوع في مجالات إنطلاق الهجرات على المستوى الوطني وتنوع كذلك في مجالات الإستقبال على المستوى الدولي، وهذا ما أفرز جالية مهمة من مغاربة العالم تقارب الستة ملايين مهاجر في مختلف ربوع المعمورة، وهؤلاء المهاجرون يعتبرون رافعة أساسية لا محيد عنها في التنمية الوطنية ، إذ تُساهم  التحويلات المالية للمهاجرين في زيادة إحتياطي العملات الأجنبية وتحسين ميزان المدفوعات، كما أن الرهان التنموي المحلي اليوم يفرض إستثمار عائدات الهجرة الدولية بتفعيل  دور المهاجرين في الفعل التنموي المحلي وتشجيع إنخراطهم وإشراكهم في بناء وإنجاز مشاريع التنمية على ضوء مقاربة مجالية تقوم على إدماج كل الفاعلين التنمويين داخليين وخارجيين بما فيهم المهاجرين.

أولا: الهجرة الدولية في المجال الواحي المحاذي لجبال باني

يرجع ظهور الهجرة الدولية لدى ساكنة واحات جبال باني إلى فترة الإستعمار سواء للإشتغال في الجيش الفرنسي وللعمل في المناجم ، وقد لعب موغا فيليكس ، والذي كان ضابطا في إدارة الشؤون الأهلية بكلميم في عهد الحماية، وكان مشرفا في الآن نفسه على استقدام العمال من جنوب المغرب إلى فرنسا دورا مهما في إستقدام العشرات والآلاف من ساكنة واحات مناطق الجنوب الشرقي  للعمل في فرنسا، حيث أشرف على تهجير ما يقارب  66 ألف شاب من الجنوب المغربي خاصة من مناطق الجنوب الشرقي كورزازات زاكورة تنغير طاطا، ومنطقة سوس كتزنيت وتافراوت أكادير ونواحيه ما بين 1956 و1970، وكان موغا يشرف شخصيا على طابور الراغبين في العمل في المناجم الفرنسية، بحضور ممثلي السلطات المغربية،  وكان إختيار المقبولين يتم بناءا على البنية الجسمانية القوية والتمتع ببصر شديد.

لقد شكل  الشباب المتوجهون للعمل في فرنسا في هذه المرحلة الرعيل الأول من المهاجرين من المجال الواحي المحاذي لجبال باني، ومن ذلك أولئك الشباب الذين هاجروا من واحات فم الحصن وتمنارت؛ وقد لعب هؤلاء دورا مهما  بفضل تحويلاتهم  المالية في التخفيف من حدة  الفقر في مناطقهم  وفي إعالة أسرهم، كما إستثمروا  ولو بنسب  محدودة في  المجال الواحي ولو بمشاريع محلية ومحدودة كفتح بعض الدكاكين وبعض الأوراش الصغيرة خاصة في المجال الزراعي، هذا علاوة على إسهامات المهاجرين العائدين في تلك الفترة  الذين عادوا لأرض الوطن  بعد أن إتخذت فرنسا  قرار وقف الهجرة المغربية في يوليوز 1974 ، وشجعت في المقابل ما إصطلح عليه هجرة العودة، حيث منحت للراغبين في العودة  مبلغ 10.000 فرانك فرنسي للعمال الذين هم في بطالة ويقبلون هم وعائلاتهم تحمل مصاريف النقل وكذا المساعدة على تأسيس المشاريع إبان مرحلة ما بعد العودة تصل إلى 20.000 فرنك فرنسي كحد أقصى تسلم لكل مستفيد بالبلد الأصلي أو بفرنسا لتحقيق مشروع اقتصادي ما .

ثانيا: جمعية تويزي للثقافة والعمل الإنساني نموذج عملي للمقاربة الترابية للهجرة الدولية في التنمية المحلية

جمعية تويزي للثقافة والعمل الإنساني   هي جمعية غير حكومية  يتواجد مقرها بدوار إمي  أوكادير  بجماعة فم الحصن ، إقليم طاطا؛  تم تأسيسها بتاريخ 13 أبريل 2003 من طرف جملة من شباب الواحة؛ والذين يحذوهم هم خدمة الساكنة المحلية و العمل الجماعي من أجل تحسين أوضاع الفئات الأكثر حرمانا والمساهمة في التنمية المستدامة للمنطقة  وفق مقاربة تشاركية، مواطنة تنهل من ثقافة حقوق الإنسان وعبر منهجية عمل تتمحور حول التربية، التحسيس ، التكوين، الترافع، ومقاربة المشاريع.

إستطاعت جمعية تويزي في إطار مشروع " المواطنة بصيغة الجمع" أن تبني لتجربة فريدة من نوعها في المجال الواحي تروم لتسهيل ولوج  المتقاعدين المهاجرين وعائلاتهم إلى حقوقهم الاجتماعية من جهة ؛ ومن جهة ثانية تعزيز إدماج الهجرة المستجيبة للنوع ضمن التخطيط الترابي، حيث قامت في هذا الإطار بتأسيس خلية جمعوية لإستقبال وتوجيه المهاجرين تناط بها الأدوار الآتية: :

-        إستقبال وتوجيه مغاربة العالم بشكل عام، والمتقاعدين منهم بشكل خاص لتسهيل إندماجهم الاجتماعي والمؤسساتي.

-        دعم ومواكبة المهاجرين وذوي حقوقهم في الإجراءات الإدارية الرامية إلى الحصول على حقوقهم، وذلك عبر شرح المساطر القانونية المعمول بها.

-        التواصل مع المهاجرين المغاربة، وتشجيع مشاركتهم المواطنة في التنمية المحلية لإقليم طاطا.

                يتدرج المشروع الطموح الذي تنخرط فيه جمعية تويزي ضمن البرنامج الجهوي لمبادرات الفاعلين في مجال الهجرة والذي يهدف إلى التنزيل الجهوي لسياسات الهجرة  التي إعتمدها المغرب خاصة الإستراتيجية الوطنية لفائدة المغاربة المقيمين بالخارج المخصصة للمواكبة الاجتماعية والثقافية والتربوية والقانونية لمغاربة العالم، وذلك على صعيد جهة سوس ماسة والجهة الشرقية، والذي تشرف عليه خبرة فرنسا بدعم مالي من الوكالة الفرنسية للتنمية ، وذلك بشراكة مع الوزارة  المنتدبة لدى وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغربة المقيمين بالخارج المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج، والولاية ومجلس المعنييتين بالبرنامج.