جريمة القتل التي حدثت مؤخرا في مدينة ابن أحمد، والتي خلقت تذمرا كبيرا لدى ساكنة المدينة، كان ممكنا أن يتم التعامل معها إعلاميا في إطار ما تقتضيه الممارسة الصحافية المهنية، واعتمادا على الأجناس الصحفية المعروفة، التي تسمح للمتلقي بأن يفهم حقيقة ما حدث، وأن يستقبل المعلومات الصحيحة والموثوقة المحيطة بالجريمة، في إطار ما يفرضه الواجب الإعلامي من إخبار وتوعية.

لكن مع الأسف، أسفر اللهاث خلف نسب المشاهدة عن إنتاج محتوى تافه وسطحي، نتجت عنه آثار سلبية وخيمة أضرت كثيرا بصورة المدينة، حيث استُغلّت هذه الجريمة لتقديم تغطية إعلامية غير مهنية من قِبل بعض المنابر، اعتمدت على شهادات لأشخاص تم اختيارهم بشكل انتقائي، يغلب على حديثهم طابع الاضطراب والسلوك العدواني، مما ساهم في تعميم صورة نمطية مشوّهة عن ساكنة المنطقة، ووصفها بالجنون والرعونة، في تجاهل تام

لواقعها، وتنوعها المجتمعي والثقافي.

ربما السبب في هذه الصورة المشوهة يعود في جزء منه إلى تقاعس بعض وسائل الإعلام في التعريف بهذه المنطقة الغنية بتاريخها وبتنوعها الجغرافي والطبيعي. فقبيلة مزاب، التي تنتمي إلى هذه الربوع، عُرفت على مرّ العصور بنزعتها النضالية وشجاعتها التي لا تعرف الخوف من الموت؛ إذ لطالما واجه رجالها البنادق بصدورهم، واستقبلوا المدافع بثبات وصمود، دفاعًا عن الأرض والعِرض.

في قلب منطقة الشاوية، ومع كل غزوة استعمارية، كانت قبيلة مزاب تقف بالمرصاد، تُجسد الروح القتالية المغربية الحرة، خصوصًا خلال موجات المقاومة المسلحة ضد الاستعمار الفرنسي في بداية القرن العشرين.

ففي الفترة الممتدة ما بين 1907 و1908 ميلادية، عندما قاد الجنرال الفرنسي "دامادا” جيوشه لاجتياح أراضي الشاوية، كانت قبيلة مزاب من أوائل المتصدين لهذا الزحف العسكري، وخاضت معارك شرسة في ظروف غير متكافئة، وقدمت شهداء كُثر، ظلّت أسماؤهم محفورة في ذاكرة المنطقة رمزًا للتضحية والإباء.

وقد تجلت إحدى أكثر اللحظات الملحمية عندما التقت بنادق المقاومين من مزاب ببنادق المحتل في السهول والأودية المحيطة بمدينة ابن أحمد، في مقاومة كانت تُمثل صرخة رفض ضد الطغيان الفرنسي.

إن مقاومة أهل مزاب لم تقتصر على الدفاع عن قبيلتهم وأرضهم فحسب، بل امتدت لتشمل الدفاع عن مدينة الدار البيضاء في سنة 1907، أثناء التدخل العسكري الفرنسي.

فحين اجتاحت السفن الفرنسية الميناء وقصفت المدينة، هبّت قبائل الشاوية ومنها مزاب، إلى جانب قبائل أولاد احريز وأولاد اسعيد وأولاد زيان، للدفاع عن العاصمة الاقتصادية. وشكلت هذه اللحظة منعطفًا وطنيًا، حيث تجاوزت المقاومة الطابع المحلي، لتأخذ بعدًا وطنيًا جماعيًا ضد الاحتلال.

تاريخ مزاب ليس فقط تاريخ مقاومة مسلحة، بل تاريخ مجتمع متجانس، صقلته التجارب التاريخية، وتوحد في العادات والتقاليد، وفي قيم الفروسية والكرم والغيرة على الوطن، كما كانت القبيلة في مزاب، مهدًا للعلم والثقافة، حيث احتضنت الزوايا والمدارس العتيقة، وأنتجت علماء ومجاهدين في آن واحد، ليظل إرثها شامخًا في ذاكرة الشاوية وذاكرة المغرب.

إن مدينة ابن أحمد، ومعها قبيلة مزاب كلها، تحتاج إلى مواكبة إعلامية مهنية، جادة وراقية ومسؤولة، لإظهار خصوصيتها الثقافية وعمقها التاريخي، وهذا هو المأمول وما تطمح إليه ساكنة المنطقة.