في «العدل والإحسان»، يريدون الآن شيئا واحدا فقط للقضية الفلسطينية: أن يغطي مراسل قناة «الجزيرة» في الرباط مسيرات ما بعد الصلاة التي تدعو لها الجماعة، تحت شعار نصرة فلسطين، والتي تحمل فيها في الحقيقة شعارات ضد الوطن.
وفي «العدل والإحسان»، لا يتمنون نهاية الموت الفلسطيني، بل يأملون من العلي القدير فقط أن تدير القناة القطرية وجهها، وكاميراها بنفس المناسبة، نحوهم، لكي تلتقط سحناتهم والملامح منهم، وهم يتظاهرون في الرباط وغيرها من مدن المملكة، إيذانا بالوجود، وإعلانا أنهم لم يموتوا بالكامل يوم مات عبد السلام الحيحي، المعروف بـ«ياسين» رحمه الله، ولا ماتوا يوم (استلوا الشعرة من العجين الفبرايري، تاركين عانسي اليسار الذين تحالفوا معهم فوق «الهوندات» في ذلك الربيع الكاذب، يجوبون الشوارع وحيدين، وهم يندبون خيانة العدلاويين الذين اقتنعوا أنها ليست ساعتهم... ولن تكون أبدا).
الأمر بالنسبة للجماعة إياها ليس نافلا، ولا هو بالتافه، فمعنى الظهور في تلفزيون إخباري عربي هو أنها لازالت على قيد الحياة. أما تجاهل كل هذا التجييش الكاذب باسم فلسطين، واعتباره أمرا عاديا، وتمرينا على الحرية يقع يوميا في بلد يحترم الحريات الفردية والعامة، فمسألة تضرب في مقتل حقا الجماعة، وما بقي منها، ومن بقي فيها.
لذلك كتب أحد قادة الجماعة مستنكرا غياب تغطية «الجزيرة» لوقفات ما بعد الصلاة التي ترفع كذبا شعار فلسطين، بل إنه اعتبر هاته الوقفات «حراكا شعبيا مغربيا» تتجاهله القناة القطرية دليلا على «شيء ما».
خان الذكاء السياسي مجددا الجماعة، ولم تعرف ما هو هذا «الشيء الما» الذي يجعل «الجزيرة» تفهم أن وقفات الجماعة هي لا حدث، لذلك لا مفر من التفسير. وخان الذكاء السياسي مرة أخرى الجماعة وهي تعتبر حزن جزء واسع من المغاربة لأجل ما يقع في فلسطين (حراكا شعبيا) لذلك لا بد من الشرح.
الحكاية وما فيها هي أن هذه القناة، وغيرها من القنوات الإخبارية، العربية والغربية التي تشتغل بكل حرية في بلادنا وفق القوانين المعمول بها طبعا، تجاوزت دهشة البدايات يوم شرعت في البث الفضائي من عاصمتنا ومن بقية المدن، وأصبحت اليوم تعرف اليوم رقعة الشطرنج السياسية في المغرب، وتفهم من لديه الحضور الفعلي في الواقع، وليس في المواقع، ومن يرتدي جلبابا أكبر منه بكثير، ومن بمثل أدوارا هو غير قادر على إتقانها، وتفضحه الممارسة اليومية، والنزول ذاته إلى الشوارع.
في زمن آخر، مع بداية «هاد الشي ديال» الظهور في الفضائيات، والاتصال بالسفارات والقنصليات، وأخذ المواعد ومعها العهود والوعود، التي لم يتحقق منها شيء، كان جزء من هذه الجماعة، ومعه جزء آخر من حزب تولى الحكومة عشر سنوات في المغرب، هو «العدالة والتنمية»، يتحكمان جيدا في أي «ساتليت» تم نصبه في العاصمة من أجل البث.
كانت الذبذبات مرتبطة ببعضها، ومر العديدون بمسميات وأوصاف كاذبة على الشاشة، ووظف عاطفون ومنتمون في تلك القنوات، واشتغل الكل على ضرب البلد من الداخل.
كيف تعامل البلد؟
بذكائه المعهود، وبالنبوغ المعروف عنه منذ القديم، والتقط الارتباطات، والذبذبات ومختلف أنواع البث والاتصالات، وخاطب المصدر والمنبع، لا التفرعات، وقال لمن يهمهم الأمر «جربوا مع البلدان الأخرى ما تشاؤون من مباشر ومسجل ووثائقي وتحقيق وتدوين وتدريب على التخابر وكيفية مخاطبة الجموع، لكن لا تحاولوا أبدا تجريب أي شيء مع المغرب. وإذا لم تصدقوا، حاولوا وكونوا متيقنين أنكم ستفشلون».
وكذلك كان، جربوا، وفشلوا، وفهموا الاستثناء المغربي، واستوعبوا كل الفوارق، وكل المسافات الضوئية الموجودة بين هذا البلد الأمين، وبين البقية.
المؤسف الوحيد في كل هذا هو أن الأجنبي فهم الفرق بسرعة واستوعبه، ومر إلى الأهم، وأن ابن البلد الحامل للجنسية في أوراقه الثبوتية لازال عاجزا عن الفهم.
مع أننا نحن المغاربة أذكياء في العادة، ونفهمها قبل أن تحلق، ونفهمها وهي تطير على أي علو، ونفهمها طبعا قبل وأثناء وبعد النزول.
هو نقص ربما في فيتامين «تمغربيت» ستتكلف الأيام بعلاجه والدواء، وهذا أمر لا شك فيه لإنقاذ ابن البلد من السوء ومن الرسوب، لكي يكون فعلا حسنا وناجحا، لا بالاسم فقط، ولكن بالأفعال والصفات.