هل يستحق الستريمر المغربي إلياس المالكي الحديث عنه هنا والآن؟
الجواب بسرعة وبوضوح: نعم، يستحق.
إلياس الذي تحول إلى ظاهرة حقيقية في الأنترنيت المغربي في الأشهر الأخيرة، يوجد الآن رهن الاعتقال في سجن سيدي موسى بمدينة الجديدة في انتظار بدء محاكمته يوم 12 نونبر الجاري، والمغرب منقسم بخصوصه إلى قسمين: قسم "باغي فيه الخدمة"، وقسم يقول " اللهم إن هذا منكر، أطلقوا سراح الستريمر الأشهر وطنيا، و (فري إلياس)".
لنقل على سبيل الاختزال السريع إننا نميل أكثر إلى الاصطفاف مع الجانب الثاني، ولنقل إننا نرى أنه من الممكن أن يتابع إلياس - إذا كان ضروريا من المتابعة - في حالة سراح…هو الآخر.
ولنقل ثالثا بعض الكلام الضروري عن الأنترنيت، وعن الحديث عبره ومن خلاله مع وعن الناس، وعن "الستزيمينغ"، وعن أشياء أخرى كثيرة لامفر من الحديث عنها اليوم.
حكاية تعلم حرية التعبير في الفضاء الافتراضي هي حكاية صعبة للغاية، ليس في المغرب وحده، بل في العالم كله. وهي إذ تتيح لك فرصة الكلام في كل شيء وعن كل شيء، وأحايين عديدة عن اللاشيء، تدخلك في لعبة توازن جد حساسة، قد تسقط من فوق خيطها غير المرئي والحساس والرفيع جدا في أي لحظة، إذا لم تعط لهذا الحديث الجدية التي يتطلبها.
نعم، الجدية التي يتطلبها الحديث، حتى عندما يكون ساخرا، وضاحكا، وأحيانا سورياليا وعبثيا (مثل حالة إلياس)، لأن القاعدة الأولى التي علمها لنا أساتذة السخرية و (الطنز) أو "الساركازم" في العالم هي أن "الضحك مامعاه ضحك"، وهو أكثر الأمور جدية وحساسية وقسوة وذكاء في العالم، لذلك لا مجال للتعامل معه بأي استخفاف أو استهتار.
إلياس شاب مغربي استطاع أن يحقق بعضا من أحلامه من فوق سطح منزله في الجديدة، اعتمادا على إطلاق عصفور كلامه نحو عنان السماء.
وجد الكثيرون في إلياس مالم يجدوه في غيره على الأنترنيت، فتابعوا شغبه، وحمقه، وضحكه وسخريته، وسبابه، و "رياكشناته" على وضد الكثيرين، وتابعوا أيضا تفاعله الإنساني مع حالات ضعيفة ساعدها، وتابعوا في الوقت ذاته زلات عديدة ارتكبها، وتابعوا - وهذا هو الأساس - مطاردته لحلم لعب الكرة الذي لم يتحقق له على الواقع، وكاد يحققه في المواقع، من خلال نجاحه في تسجيل فريقه في دوري "الكينغس- ليغ"، الذي يشرف عليه لاعب برشلونة وإسبانيا السابق جيرار بيكيه.
كل هذه المتابعة لم تجلب على إلياس الخير فقط، بل هي جلبت عليه أيضا حقد من لايحبون النجاح، لذلك ترصدوه في أول منعطف، واستطاعوا الإيقاع به، علما أن هذا الإيقاع سهل للغاية وليس إنجازا على الإطلاق.
الإنجاز الحقيقي اليوم في قصة إلياس هو كيف نستطيع أن نحول نجاحه هذا إلى شيء إيجابي، يستفيد منه الشباب فعلا بأن نطوي صفحة هذا الاعتقال (من خلال اعتذار أو ماشابه لمن يعتقدون أنه أساء إليهم بكلامه)، ومن خلال جعل هذا الاعتقال فرصة مراجعة لكثير مما يقال ويرتكب في الأنترنيت المغربي، لكي يفهم الشباب (وهم فقط من أهتم بهم ولأمرهم في هذا النقاش) مايمكن ومالايمكن أن يقال.
لنطلق سراح إلياس، ولنستفد مما جرى له لكي نطبق القانون لتنظيم فوضى الأنترنيت والحديث عبره على الجميع، وليس على عصفور السطح، الدكالي وحده.
هذا رجاء وأمل فقط: أطلقوا سراح إلياس (الله يرحم الوالدين)، فهناك العديدون ممن يستحقون السجن والبقاء داخل أسواره أكثر منه بكثير.
"فري إلياس"!