يعد قطاع إنتاج الحليب من القطاعات الحيوية التي تضررت بسبب تداعيات موجه الجفاف التي مست البلاد منذ ست سنوات، وهو ما ظهرت تجلياته بشكل واضح في السنتين الأخيرتين، حيث سجل تقلص ملحوظ في عدد إناث الأبقار المنتجة للحليب، وفي كميات الحليب التي تم إنتاجها.

وأمام هذا الوضع، ولتغطية العجز المسجل في توفير مادة الحليب في السوق الوطنية، بادرت الحكومة إلى دعم عمليات استيراد الحليب المجفف، عبر تعليق استخلاص الرسوم الجمركية المفروضة عليه ضمن سُلة من الإجراءات الأخرى التي تستهدف دعم منتجي الحليب.

لكن وبقدر ما الذي ساهم فيه هذا القرار في توفير حاجيات المستهلكين من الحليب، إلا أنه ساهم، في المقابل، في الإضرار بسلسلة إنتاج حليب، لأن القرار الذي اتخذته الحكومة، لم يكن مصحوبا، بإجراءات حمائية من قبيل تحديد سقف كمية الحليب المجفف المطلوب استيراده، مما أغرق البلاد منه.

وكما هو الحال في جميع العمليات التجارية، التي يتحكم فيها منطق الربح السريع، اختارت الكثير من الوحدات الصناعية التي تنتج الحليب، الاعتماد على الحليب المجفف بالنظر لتكلفته المخفضة، والتي لا تتجاوز 2.20 درهم للتر الواحد، في الوقت الذي كانت هذه الوحدات تقتني الحليب الطبيعي من الفلاحين بحوالي 4.30 درهم للتر الواحد، وهو فارق يقارب المائة في المائة، وطبيعي أن يقع هذا التحول الكبير.

ونتيجة لذلك، تم تسجيل سيطرة للحليب المجفف على إنتاج الحليب في البلاد، مقابل ضياع كميات هائلة من الحليب الطبيعي التي لم تعد تجد من يقتنيها، مما يدفع بالمنتجين إلى تقديمها للحيوانات أو إفراغها في المطارح، فيما اختار العديد منهم وقف خسائرهم من خلال دفع أبقارهم للذبح في ظل ارتفاع سعر اللحوم الحمراء، وارتفاع مردودية الذبح مقارنة مع الاستمرار في إنتاج الحليب، بغض النظر عما صرف من أجل تم استيراد هذه الأبقار، ناهيك عن الدعم الذي تقدمه الدولة لمربي العجلات الموجهة لإنتاج الحليب.

وفي هذا السياق، وجه فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب، سؤالا كتابيا، إلى وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، لمسائلته على تداعيات استيراد الحليب المجفف على سلسلة إنتاج الحليب، وكذلك عن التدابير التي ستتخذها الوزارة الوصية لمعالجة تداعيات دعم استيراد الحليب المجفف على الفلاحين منتجي الحليب الطبيعي، والحد من الخسائر الاقتصادية الفادحة التي يتحملونها، والتي ستؤدي في النهاية إلى وأد القطيع الوطني من الأبقار الحلوب، ناهيك عن احتمال إضرار الحليب المجفف بالصحة العامة.