لا اعتراض لدي أن يفهم الشعب المغربي، قاطبة، وعن بكرة أبيه، ومن طنجة إلى الكويرة، في كيفية تدبير المنتخب الوطني لكرة القدم، ولا إشكال لدي في أن نقدم جميعا للناخب الوطني وليد الركراكي، كل لقاء، أربعين مليون نصيحة تكتيكية ويزيد، في انتظار توصلنا بالنتائج الرسمية والجديدة للإحصاء الحالي، الجاري في البلد، والتعرف على الرقم المضبوط للناصحات والناصحين الكرويين لوليد المسكين.
لماذا لا نعترض؟
لأن الإيمان بقضاء الله، خيره وشره، عماد الإيمان أولا، ولأن الاعتراض ثانيا، وأصلا لايفيد. لماذا؟ لأن رأس "الجمال" الكروي المغربي يعرف مسبقا ما يدور في ذهن الجمل، لذلك يعاجله بالضربات الاستباقية دوما، ولذلك يصل قبله إلى الخلاصات.
وأهم خلاصة تعلمتها من سنوات وسنوات من مشاهدة المنتخب الوطني يلعب، وبعد كل خيبات العمر الكروي المتتالية، هي خلاصة أهمية وضرورة عدم الإنصات لصوت الجمهور إطلاقا في اتخاذ القرارات التدريبية الخاصة بالفريق الوطني.
دور الجمهور الوحيد هو أن يأتي زرافات ووحدانا إلى الملعب، أن يشتري "السندويتش والموناضا"، أن يساهم بما تيسر في رفع "التيفو"، وأن يغني "هيهو، مبروك علينا، هادي البداية، مازال مازال"، قبل أن يخرج بعد تحقيق الانتصار إلى الشوارع في المدن والقرى لكي يشدو برائعة "باصييير، باصييير، هو هو"، والسلام.
ليس للجمهور دور غير ذلك، أي التشجيع بحماس صادق، فقط، لا غير. وهذا ليس ظلما أو ديكتاتورية أو أي شيء من هذا القبيل.
هذا فقط تذكير بالبديهي والعادي والطبيعي، وما يجب أن يكون.
وحقيقة، كل مرة رأيت فيها شخصا بعيدا عن الكرة بعد الحزبي المغربي عن الصدق، يعطي وليدنا الوطني نصائح في كيفية وضع رجاله في الملعب، أحس بذلك الإحساس المؤلم الذي ينتابني عندما يقول لي أحد خريجي "اللامدرسة" في الأنترنيت ممن لم يطالعوا جريدة واحدة في حياتهم "آودي مابقات صحافة فالبلاد". وهو الإحساس نفسه الذي يخامر خريجي كلية الطب من دكاترتنا المبجلين حين يسمعون المحترم الفايد وهو يوصي مرضى القولون العصبي بأكل "الزريعة الكحلا" للقضاء عليه في مهده، على القولون وليس على الفايد، أو هو نفس الإحساس الذي يشعر به كبار أساتذة القانون في البلد حين يريد "شي عابر" عبر اليوتوب أن يشرح لهم المسطرة الجنائية ويقول لهم "المحامون صحابي كاع ما فاهمين الحقيقة"…
هو إحساس التقزز من الفضوليين، وممن يحشرون أنوفهم في أمور لا يفهمون فيها، ومن منتحلي الصفات، وما أكثرهم، حتى أن فكرة شيطانية أصبحت تراودني يوميا عن نفسي وأصبحت أنصاع لها، وأؤمن بها، هي فكرة أننا جميعا أصبحنا منتحلي صفات، نفهم في كل شيء وفي كل ميدان حد عدم الفهم في أي شيء، لأن من يفهم قليلا في ميدان ما يردد في ذهابه والمجيء عبارة "هذا رأيي فقط، والله أعلم".
أما مع شعب الجبارين هذا الذي يفهم في كل شيء، فهو وحده الأعلم، ولا اعتراض إطلاقا كالعادة.
فقط هاته الكلمات ثم التسليم والاستسلام، والاكتفاء بمراقبة الوضع عن كثب، في انتظار أوقات أفضل، والسلام.