"الإصلاحات التي ستباشرها وزارة التعليم العالي و البحث العلمي و الابتكار ،إنطلاقا من الموسم الجامعي 2023/2024 تروم استعادة الهيبة و المكانة التي يجب أن تحظى بها الجامعة المغربية" ، بهذه الكلمات الواثقة أعلن عبد اللطيف ميراوي، الوزير الوصي على القطاع ،خلال ندوة صحفية ،عن إطلاق الخطة الوطنية لتسريع تحول منظومة التعليم العالي و البحث العلمي و الابتكار ،و التي شكل سلك الدكتوراه حجر الأساس فيها.

ميراوي ،الخابر لإكراهات و مشاكل الجامعة المغربية ،من خلال إشرافه في وقت سابق على رئاسة جامعة القاضي عياض بمراكش، قبل حمله لحقيبة وزارة التعليم العالي الثقيلة، بسط أمام عدد من الصحافيين أهم المرتكزات التي شددت عليها هذه الخطة الإصلاحية الجديدة ،التي تدخل في إطار البرنامج الذي أعلنت عنه الحكومة ،و الذي يروم تحقيق إصلاح شمولي على مستوى قطاع التعليم، من خلال جعله إصلاحا جوهريا يستجيب لتطورات العصر.

و أشار ميراوي إلى أن هناك مفاتح أساسية للتميز البحثي في سلك الدكتوراه، بما يتماشى مع الأولويات الوطنية ،يتعلق الأمر، بتكوين جيل جديد من طلبة الدكتوراه، سيتم انتقائهم من بين أفضل الكفاءات، والذين يهتمون ويشاركون بشكل كبير في البحوث الجامعية المتميزة.

الدكتوراه.. معايير دولية

يمثل سلك الدكتوراه، حسب النسخة النهائية لدفتر الضوابط العلمية و البيداغوجية الوطنية لهذا السلك ، المصادق عليه من لدن اللجنة الوطنية لتنسيق التعليم العالي، مسارا للبحث العلمي و التكوين يتوج فيه الطالب الباحث بشهادة الدكتوراه بعد مناقشة أعمال البحث و الأطروحة أمام لجنة مناقشة مشهود لأعضائها بالكفاءة العلمية.

كما يشتمل سلك الدكتوراه، حسب نفس المصدر، مجموعة من التكوينات الإلزامية و الاشهادية و أعمال البحث، تهدف مجتمعة إلى تكوين الطالب الباحث لتحضير الدكتوراه وفق معايير دولية، و تمكينه من اكتساب المعارف اللازمة لإنجاز بحث علمي رفيع المستوى، و خاصة المتعلقة بجودة البحث و المنهجية العلمية و الفكر النقدي، و اللغات و أساليب التواصل ،و ملتزما بالاستجابة للأولويات الوطنية للبحث العلمي و التقني.

تنزيل هذه الضوابط الجديدة بدأ بشكل فعلي على مستوى الأقطاب الجامعية الخاصة بسلك الدكتوراه، و من بينها قطب الدكتوراه بجامعة السلطان مولاي سليمان ببني ملال ، حيث يكفي الولوج إلى الصفحة الرسمية لهذا القطب على مستوى شبكة التواصل الإجتماعي "فايسبوك" للإطلاع على الدينامية التي تشهدها هذه التكوينات، حيث استفاد الطلبة منذ بداية الموسم الدراسي الجامعي المتزامن مع انطلاق العمل بهذا الإصلاح، من عديد التكوينات في مجالات و مواضيع مختلفة، أطرها العديد من الأساتذة و الكفاءات العلمية المتميزة.

ضوابط جديدة

أسندت لأقطاب الدكتوراه على مستوى الجامعات مهام أساسية في عملية التكوين التي سيخضع لها الطالب الباحث في هذا السلك، حيث ستتولى هذه الأقطاب تدبير و تنسيق جميع الأنشطة المرتبطة بالدكتوراه ،خاصة من خلال السهر على تحفيز الطالب على إنجاز بحث علمي أو تقني دقيق و مشهود بتميزه عن طريق منشورات علمية أو براءات اختراع ،تدعم بحثه و تغنيه، و تشكل قطيعة مع البحوث الكلاسيكية السابقة التي كانت تبقى حبيسة للرفوف بعد مناقشها.

تشرف هذه الأقطاب كذلك على برمجة تكوينات علمية تحمل الطابع الإلزامي للطالب الباحث، ستبرمج على شكل وحدات يجب استيفاءها خلال السنة الأولى أو الثانية ،و تكوينات إلزامية إشهادية تثبت اكتساب الطالب المسجل لتحضير الدكتوراه مهارات لغوية و رقمية و مهارات ترتبط بالقوة الذاتية.

كما سيتم في هذا الإطار خلق حركية على مستوى السلك ،على شكل تداريب و تكوينات بإحدى الجامعات أو المؤسسات غير الجامعية الأجنبية أو الوطنية أو المقاولات، و التي لا يجب أن تقل مدتها عن شهر كامل.

شروط أساسية

ترتبط مسألة القبول في سلك الدكتوراه، حسب الضوابط الجديدة ،ضرورة استيفاء الطالب لمجموعة من الشروط ، فإلى جانب التوفر على الشهادة الجامعية المطلوبة ، أي شهادة الماستر أو ما يعادلها، و مطابقتها للتكوين المزمع الترشح له، لا بد للمواضيع المقترحة للبحث أن تعتمد على ثلاثة روافد ،تتمثل في الأولويات الوطنية للبحث العلمي و التقني ، و كذا التنمية الاقتصادية و الاجتماعية الوطنية و الجهوية، بالإضافة إلى المحاور الإستراتجية لتنمية البحث، المدرجة ضمن مشروع تطوير الجامعة، كل هذا دون تقييد للحرية العلمية و الأكاديمية.

و حدد الإصلاح عدة مراحل للقبول في سلك الدكتوراه، تنطلق من خلال تسجيل قبلي عبر منصة أكاديمية معدة لهذه الغاية، ثم انتقاء أولي لملفات المرشحين بالاعتماد على عدة معايير و ضوابط ،ثم اختبار كتابي عند الاقتضاء ،و مقابلة مع لجنة الانتقاء تتوج بإعلان النتائج النهائية.

البحوث.. تقليص المدة

مستجدات جديدة حددها الإصلاح الجديد على مستوى سلك الدكتوراه، ترتبط بالمدة المخولة للطالب إنجاز البحث خلالها ،و التي لم تعد تتجاوز 3 سنوات ،و هو المعطى الذي أحدث قطيعة مع ما كان معمولا به خلال دكتوراه الجيل القديم، حيث كان الطالب يحضر بحثه خلال سنوات طويلة قد تتجاوز في أحيان عدة سبع سنوات كاملة.

الإصلاح الجديد منح للطالب الباحث، بصفة استثنائية أحقية تمديد هذه المدة ،لسنة واحدة أو سنتين على الأكثر، لكن تتطلب الموافقة على هذا التمديد استجابة مسبقة من لدن الأستاذ المشرف على البحث، إلى جانب موافقة مدير قطب الدكتوراه و رئيس المؤسسة المحتضنة للتكوين في سلك الدكتوراه، مع إلزامية إبراز المبررات المرتبطة بقرار التمديد.

الملكية الفكرية..حفظ للمجهود

ارتبطت الإصلاحات الجديدة كذلك بالحفاظ على الإنتاج الفكري للطالب الباحث في سلك الدكتوراه ،و حمايته من القرصنة،عبر إجراءات عملية تساهم في تحقيق هذا الهدف ،و ذلك بالحرص على النشر الإلكتروني للأطروحة.

و ستتحقق هذه الغاية، من خلال عمل قطب الدراسات في الدكتوراه من إيداع الأطروحة بعد مناقشتها لدى المركز الوطني للبحث العلمي في أجل لا يتعدى ستون يوما، فيما سيتولى هذا الأخير وضع نص الأطروحة كاملا على منصة الفهرس الوطني للأطروحات، مع استثناء بعض الأطروحات من هذه العملية ،و هي تلك الأطروحات التي تكتسي طابعا سريا يحول دون نشرها كليا أو جزئيا ، مع إلزامية تقديم تعليل مؤشر عليه من طرف الإدارة يحدد سبب عدم النشر و مدته و الأجزاء المعنية بذلك.