صدر مؤخرا عن المركز الثقافي للكتاب، الترجمة العربيةلكتاب "صناعة الخوف، الإسلام والغرب" للمفكر المغربيعبد الله بوصوف، تقديم وترجمة للمؤلف الباحث عيادأبلال.
ويأتي هذا الكتاب في سياق تنامي خطابات معادية للإسلام والمسلمين في الغرب عبر ما يسميه المفكر بوصوف بأنها صناعة الخوف، على اعتبار أن هذه الصناعة هي صناعة ثقافية وسياسية بامتياز، فلم تعد الحروب تدار بين الدول والأقطاب المختلفة، بل أصبحت تُدار بين الشعوب نفسها عبر الإعلام والسرديات من خلال تصريف مواقف سياسية وأيديولوجية معادية للمهاجرين وبالأخص المسلمين في الغرب، المتشدق بقيم الحداثة والفردانية وتراجع القيم الجماعية أو الجماعاتية(Communautaires)، بالموازاة مع تنامي صعود التيارات اليمينية في أوروبا.
وبالنظر إلى مشروع بوصوف الفكري والأكاديمي، يشكلهذا الكتاب فارقا في التحليل والتفسير، وكونه غير مؤسس على منهجية علمية فحسب، بل يتخذ من التاريخ والسرد مسلكا له، لتفكيك ما أسماه السرديات الكبرى للغرب تجاه الإسلام والمسلمين.
وجدير بالذكر، أن المقاربة التي اعتمدها الكاتب في مؤلفه هي غير مسبوقة وجديدة، تتخذ من التفكيك طريقا لها، مستحضرا بذلك مختلف العلوم الإنسانية في تفكيك تلك الخطابات، معتمدا بالأساس درس العودة إلى التاريخ وبالتحديد التاريخ العلائقي، لفهم المغزى من هذه الخطابات المعادية للإسلام والمسلمين، وما تستبطنه من سياقات وأفعال ترسم السياسات الغربية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مستفيدا بذلك الكاتب من تجربته الغنية في الغرب عبر مدار عشرين سنة من النقاشات والعمل الجمعوي والنضال الثقافي، في فك لغز هذه الصناعة، إذ حسب الباحث نفسه، لم تعد خفية على كل باحث جاد، له إلمام بتاريخ الحضارات وحوارها، ولا غرابة أن نجد المفكر بوصوف في هذا الكتاب يكشف الأقنعة وينزع الغطاء عنها وينتصر للحقيقة عبر العودة إلى الخطابات المؤسسة للمركزية الغربية.
وإذا كان استدعاء مفاهيم من قبيل الدين والتدين والإسلام والغرب والهوية والحداثة والعلمنة والعنصرية والاقتصاد؛ ليس طرفا، بل قدر ما هي مفاهيم تبدو للوهلة الأولى متباعدة وغير مرتبطة فيما بينها، فإن المؤرخ بوصوف في هذا الكتاب يوضح كيف تتداخل هذه المفاهيم فيما بينها وتنسج لتنتج لنا خطابا معاديا للإسلام والمسلمين؟ وكيف يعمل العقل الأوروبي عبر الإعلام في تصريف هذه المواقف المعادية للإسلام والمسلمين؟ عبر تضييق الخناق على ما أسماه مساحات الدين والتدين، وأن العلمانية الفرنسية على سبيل المثال هي علمانيات، تُكرِّس لمبدأ التسامح مع كل الأديان وكل الأعراف والتقاليد إلا الدين الإسلامي، عبر الإعلام والتلفزيون والقنوات الغربية التي تروج للخطابات المعادية للإسلام والمسلمين في الغرب.
ويشير بوصوف في موضع آخر أن وسائل التواصل الاجتماعي وسعت من دائرة هذه الصناعة، أي صناعة الخوف، عبر تشويه صورة الإسلام والمسلمين في الغرب، ضاربا بذلك عرض الحائط، قيم كونية كالتسامح وقبول الاختلاف والتعايش مع الآخر.
وبذلك، يسائل المفكر بوصوف، النخب المثقفة في الغرب والشرق، ومن ثم يسائل الضمير العالمي وبالأخص الضمير الأوروبي، حول مساهمتهم في انتشار هذه الصناعة البئيسة، متجاوزا بذلك فكرة صراع الحضارات القائم على فرض النموذج الأقوى، بل يؤسس لقاعدة جوهرية أن هذه الصناعة تتم وفق أجندات معينة، تعمل على ذم الاختلافات الثقافية وضرورة على تنميط العالم على نموذج غربي معين.
بناء على ما سبق ذكره، يتضح أن المفكر بوصوف في هذا الكتاب القيم، يذكر الغرب والعالم بنفس فكرة الفيلسوف الألماني ماكس فيبر عبر مفهومه الجدلي "عودة السحر للعالم" (Désenchantement du monde) أي العودة إلى الدين، أي أن بوصوف يدعو إلى فتح باب الحوار والترافع وكشف مختلف الأقنعة وفضح السرديات الغربية المؤيدة لخطابات الكراهية للأجانب وبالأخص المسلمين في الغرب، وهذا بالأساس نداء فكري معرفي بغية تجاوز كل ما يعرقل بناء نماذج حضارية قادرة على إدماج المسلمين في أوروبا ومراعاة خصوصياتهم الثقافية والدينية والاجتماعية.