AHDATH.INFOتعلمنا في الصحافة دوما أنه علينا البحث عن حقيقة واحدة نفند بها الإشاعات والأخبار المزيفة، إلى أن جاء من يعلمنا أننا نحتاج إلى الكثير من الكذب كي ندفن رؤوسنا في الرمل ولا نرى الحقيقة، من ضمن هؤلاء من كان دوما يسير في الظل، ظل أسياد المقاولات المهنية ممن "مسك الله عليه في الرزق"، وحين تقترب سفن جرائد هذه المقاولات من الغرق يطير بخفة إلى منبر آخر.. وحين استقام له الأمر وأنشأ منبرا سارت بذكره الأيام، بما جلبه من صفقات واحتلبه من أموال الدولة على مر سنين طويلة، بالإضافة إلى استغلال المنصب للضغط على أرباب شركات ولعب لعبته الكبرى مع الوزير المعلوم، واستكان لخبزته، وكلما اغتنى كان يخفف قاربه ممن قادوا معه تجربة اعتقدوا أنهم فيها شركاء لا أجراء، حتى تبين لهم الخيط الأبيض من الأسود من الأوهام التي سوقها من يدافع اليوم على «صحافة مرفوعة الرأس»، والذي كان يتظاهر بأنه يحافظ على رأسه مرفوعا حتى وإن كان جسده مكشوفا.ما معنى صحافة مرفوعة الرأس؟ هي أن تكون صحافة مستقلة مهنيا ومستقرة ماديا ويكون صحافيوها يعيشون في مأمن من الخوف والبرد والجوع، وأن تبقى المقاولات الصحافية مشرعة، وبيوت الصحافيين فيها كهرباء وماء وخبز، صحافة تقول الحقائق ولا تتاجر بها، لأن أنصاف الحقائق أخطر من الأكاذيب، صحافة مرفوعة الرأس تعني صحافيين وصحافيات غير مضطرين لزيارة مواقع أخرى (...)، لذلك كان طبيعيا حين أعلن ناشرون أن قلبهم على المهنة وعلى أبنائها، انتفض من انتفض، وأزبد وأرغد من قلبه على كل شيء إلا المهنة، لأنه يؤمن إذا صدقنا شعاراته الجوفاء، بصحافة مرفوعة الرأس وليس بصحافيين مرفوعي الرأس لهم كرامة واستقرار اجتماعي ...ترى أين كان من لم يترك رضاعة هَيْأَتِه حتى شح ضرعها وقل رواؤها حين كانت الصحافة الوطنية تعيش أسوأ أيام وجودها في عز جائحة كورونا، متنقلا بين منزلين فاخرين، ويمارس هواياته البورجوازية ويجلب لفيلاه الملحنين والمطربين ويقيم السهرات على حساب بؤس غير المؤمنة حياتهم من الصحافيين الآخرين، فيما كان المهووسون بالمهنة الحقيقيون يدقون الأبواب لا خوفا على مصدر دخلهم ولكن خوفا على خراب بيوت الصحافيات والصحافيين، ونجحوا مع تفهم بعض ذوي النيات الطيبة في الدولة في جلب دعم استثنائي استفاد منه الصحافيون والصحافيات، لعل هذا لم يحرك صاحب شعار الرأس المرفوعة قيد أنملة، كما لو أنه شعر بأن أموال هذا الدعم لن يحول إلى حساب الدكان الذي يديره..ما جدوى أن ترفع رأسك إذا كنت عاريا؟ لقد صدق الفرنسيون حين قالوا إن الرأس الممشوط يخفي أقداما قبيحة، وما دام صاحبنا اعتاد الرياضة كان يعلم أن أفضل تدريب للاحتفاظ بالرشاقة، هو أن يهز الرأس من اليمين إلى اليسار وبالعكس، كلما اشتم طبقا شهيا في ناحية ما ..انتهى زمن الكذب، والمتاجرة بالشعارات دون الاقتداء بها، انتهى زمن تجار الصحافة ممن يقدمون أنفسهم كضحايا، وحين يجد الجد يقفزون من السفينة بدون رأس، سنظل متشبثين بصحافة وطنية في مستوى طموحات المغاربة، لأن قلبنا على صحافة الوطن وعلى صحافياته وصحافييه، ولأن الطريق إلى الحقيقة يمر من القلب لا من الرأس، كما يقول المتصوفة: «إجعل قلبك لا عقلك دليلك الرئيسي، واجه، تحدى، وتغلب في نهاية المطاف على النفس بقلبك» .