AHDATH.INFOليست هاته أول مرة يعتزل فيها فنان التمثيل أو الغناء، أو غيرهما من أشكال الـإبداع، ويكتشف فجأة أنه كان يمارس « الحرام » وأنه قرر التخلص من هذا « الحرام » لكي ينال توبة ربه، لكن في حكاية الفنان الشاب هاشم البسطاوي المسألة لها إيلام واحد فقط. مصدر الإيلام أن المغاربة لا يعرفون أصلا من هو هاشم البسطاوي.المغاربة يعرفون بسطاويا واحدا، هو سي محمد، الله يرحمو. عشقوا تمثيله، وعشقوا انتماءه للمسرح قبل التلفزيون، وعشقوا تقمصه لـأدواره حد الجنون بها. لم يكن محمد البسطاوي - وهذا كلام أتيحت لي الفرصة الرائعة والمحـظوظة فعلا لقوله لسي محمد شخصيا مرارا وتكرارا وهو على قيد الحياة - ممثلا عاديا.كان وحش تشخيص حقيقي. ولو كان سي محمد بسطاوي وليد مصر أو سوريا، لزال كل الممثلين من قبالته، ولكان النجم الـأول والأوحد والأبرز، لأنه - مثل كل عباقرة التشخيص الحقيقيين وهم قلة قليلة - لم يكن يمثل. كان يعيش الدور.وعندما خرجت في فترة أولى من الفترات أحاديث عن اعتزال هاشم التمثيل، وهو لم يبدأ أصلا الخطوات الأولى فيه، طلبت من الزملاء هنا وفي الرقمي من جريدتنا، أن يتفادوا الكتابة عن الموضوع توقيرا لذكرى سي محمد البسطاوي، وقلت لهم إن أقل مايمكن أن نفعله لـأجل ذكرى وذاكرة ممثل كبير وعملاق أحببناه، وعشقناه، وتغنينا به وهو حي يرزق، وقلنا له كل الخير الذي نـظن فيه هو أن نحترم سيرة أبنائه، وأن نطبق المأثور المغربي الرفيع والشهير « على وجه شي كيدوز شي ». قديما، حينما قال أسد الأغنية المغربية عبد الهادي بلخياط، وهو من هو في المقام الكبير الذي لم يصله أحد في مشهدنا المغربي إلى اليوم، إنه قرر التوقف عن الشدو الجميل الذي أحبه بفضله المغاربة وقرر الأداء « الديني » فقط، احترمنا قراره لكن قلنا له « حرام عليك »، لأن من غنى « القطار وداك الإنسان ومامنك جوج » وبقية الروائع التي تمتح حلاوتها الروحية والـإبداعية من موهبة ربانية يعطيها الخالق جل وعلا لمن يصطفي من عباده لايمكنه أن يأتي ذات تعب ويقول لنا « ماكنت أفعله حرام وسأتوقف عنه ».قلناها لكبير الأغنية المغربية وأسدها الحاج عبد الهادي أطال الله عمره « ماغنيته كان الحلال كله، لـأنه كان الجمال كله، ولـأن الله جميل ويحب الجمال، فلاتنصت للقبح وأصوات القبيحيين الذين يخشون الـإبداع والفن ويخافون الجمال ».اليوم لا نستطيع أن نقول لهاشم شيئا، لأن صورة والده، صديقنا وحبيبنا ونجم تمثيلنا العملاق سي محمد بسطاوي لا تفارق خيالنا أبدا، ولأن هاشم ابتدأ بالكاد في المجال وربما لم يجد نفسه فيه، ولا بأس أن يبحث عن مجال آخر يستطيع أن يقدم فيه أمورا أخرى أكثر إفادة له وللآخرين.فقط شيء واحد يجب أن نقوله لأنفسنا وللآخرين: الفن والإبداع ليسا حراما بـإجماع كل العلماء الحقيقيين، علماء الدين الحق لا علماء الفيسبوك والتظاهر والتفاخر.الحرام الوحيد الثابت، هو التطاول والفضول والسطو على ميادين دون وجه حق. والحرام الأكثر من هذا الحرام هو عدم الاقتناع بهذا الكلام، والإصرار على المضي قدما في الغي وطريقه مهما نصحك الناصحون.رحم الله البسطاوي الكبير والوحيد، في هذااليوم وكفى.