AHDATH.INFOالقراقب، الكنبري (الهجهوج)، الطبل...معدات موسيقية بسيطة تُشيّد بإيقاعاتها صرح سيمات عالم موسيقي يمتزج بطقوس احتفالية غرائبية تستلهم جوهرها من تراثيات افريقية انصهرت في البيئة المغربية لتنسج لنفسها لونا غنائيا روحانيا متفردا... ينقلكم  الموقع في هذا التحقيق للتعرف على هذا اللون الموسيقي، وتميط اللثام عن خباياه وأسراره المتوارية خلف مجموعة من الممارسات والطقوس التي يتحاشى العديد من رموز هذه الموسيقى الحديث عنها، فما هي أصول موسيقى كناوة وامتداداتها الطقوسية؟ وما حقيقة استحضار الجن والأرواح في ليلة دردبة؟ وكيف يتم ذلك؟ وما هي دلالات ذلك من وجهة نظر علمية؟

3- الألوان السبعة المميزة لطوائف كناوة

اللون الأسود الحاضر ضمن الألوان السبعة المميزة لطوائف كناوة، فيشير إلى البؤس وخراب ديار الأهالي بمجيء الرجل الأبيض الذي أمعن في تخريب ديارهم وحوّل حياتهم اليومية إلى واقع سوداوي.

والأزرق لون السماء وزرقة البحر يحيل على المسار الذي قطعوه من إفريقيا مرورا بالغابات والبحار وصولا إلى أمريكا ولباقي البلدان التي كانت تنشط في إطار تجارة الرقيق، والشكل الهندسي لألة الكنبري وتجويفها قريب في رمزيته من التصميم الهندسي للسفن التي تم تهجيرهم على متنها فيما القراقب تتخذ شكلها الهندسي من طوق وأصفاد الأسر وحشرجاته مستوحاة من صوت احتكاك الأطواق فيما بينها.

أما اللون الأحمر فيرمز إلى حملات التقتيل التي تعرض الرقيق الأفارقة سواء في بلدانهم الأصلية أو في البلدان التي هُجروا إليها،  واللون الأخضر يحيل على أعمال السخرة والأنشطة الزراعية التي أجبر هؤلاء الأسرى على ممارستها في بلد الأسر.

وأخيرا اللون الأصفر فيشير إلى الغلال والمنتوجات التي تحصّل عليها الرجل الأبيض من الأعمال الشاقة التي كان يمارسها الأسرى، وبذلك فاختيار الألوان بهذا التسلسل كان مقصودا في حد ذاته ومدروسا بعناية للتأريخ لذاكرة العبيد الأفارقة الذين هجروا من بلدانهم.

واتخذ عبيد كناوة من أهازيجهم الموسيقية وطقوسهم التعبيرية مهنة لهم نتيجة التفاعل الإيجابي الذي كانوا يحظون به، لتتطور صورة "الكناوي" في مخيال فئات واسعة من المجتمع المغربي إلى "أصحاب بركة" فمارسوا وظائف علاجية للاضطرابات النفسية، لاسيما أن احتكاك عبيد كناوة بزوايا المغرب وصلحائه، أضفى على لونهم الغنائي صبغة دينية.

وكانوا يجوبون المداشر والمدن مرددين أغاني تناجي الخالق وتمدح الرسول المصطفى وتعدد مناقب الأولياء والصالحين طلبا للصدقة والإحسان، لكن خلف هذه الصورة الصوفية للرجل الكناوي هناك صورة أخرى تربطه بعالم الماورئيات وتخليص الأجساد من الجن والأرواح الشريرة، فأين تتبدى ملامح هذه الصورة؟