ثقافة وفن

إسلامنا المغربي (7) الشيخ الكامل: العطفة لله (2/1)

أسامة خيي الجمعة 03 يوليو 2015
إسلامنا المغربي (7) الشيخ الكامل: العطفة لله  (2/1)
344_th_344_sheikh-elkamel

 AHDATH.INFO- البيضاء - خاص

وللمدينة أولياؤها مثل بقية المدن المغربية، لكن لها أيضا الولي الأبرز الذي تسمى باسمه، وتحمل كنيته ولقبه، وتعرف به وعنه وفيه ومعه على امتداد كل الأيام.

إسمه هنا محمد الهادي بنعيسى وشهرته التي طبقت الآفاق ليس في المغرب وحده بل في أنحاء كثيرة من العالم الشيخ الكامل، وله مع تراب المكان قصص وحكايات لا تنتهي إلا لكي تبدأ من جديد

هو حسب التعريف التاريخي الذي نتلوه من هنا ومن هناك سيدي محمد بن عيسى بن عامر بن عمر بن حريز،  يصل‫"‬ نسبه -حسب الإخباريين- إلى المولى إدريس الأكبر مؤسس الدولة الإسلامية بالمغرب، وكما ثبت أيضا في بعض أشعار محمد بن عيسى نفسه. ولد سنة 872ه حسب ما جاء في كتاب "دليل مؤرخ المغرب الأقصى" للعلامة بنسودة.

‎أصله من عرب سوس بالإجماع، إلا أنه اختلف في أصله الأول أنه سملالي، أم أنه من السباعيين أولاد سيدي عيسى المعروف بأبي السباع، وإلى هذا ذهب أحمد لخليفي في كتابه: "الأنيس الجليل في طريقة ومناقب سيدي محمد بن عيسى القطب الكامل".

‎هاته التفاصيل التاريخية لا تهم كثيرا المريدين والقادمين إلى رحاب الضريح يتلمسون فيه بعض العزاء ودندنات الذكر تجرهم نحو الحضرة وجذبتها‫.‬ يطلبون ‫"‬ليغارة‫"‬ أو ‫"‬العطفة‫"‬ مثلما يقولون، ولا يتشفعون إلا بالرسول الكريم عليه أزكى الصلاة والسلام،لأنهم يتفادون الشرك، لكن يعرفون أن ثمة مناطق التقاء أو زوايا تلاق للأرواح يجدونها هنا وهناك، وفي الضريح يكادون يلمسونها بشكل مجرد

‎بالنسبة للغريب عن المكان هاته طقوس شعوذة وتقديس لرجل عادي مثل بقية الرجال، لكن الحكاية المغربية ليست هكذا نهائيا‫.‬ الكثيرون شوهوها لكي تصل بالشكل الكاذب الذي وصلت به‫.‬ هي في الأصل الحقيقي حكاية رجل هاجرت عائلته من سوس العالمة

‎  ونزلت عند الفهديين وهم فرع من قبيلة مختار، فتزوج منهم ورزق بدفين مكناس محمد بن عيسى، وقد حظي الطفل مَحمد (فتحا) بعناية خاصة من طرف والده وأخواله، وقد رافقه والده إلى مدينة فاس ليهيئ له الظروف الملائمة للإقامة من أجل تلقي العلم بجامع القرويين ‫-‬ وهي مكان لابد من الالتقاء به لاحقا في حكايات هذا الإسلام المغربي ‫-‬

‎قال عبد الرحمن الفاسي في "ابتهاج القلوب بخبر الشيخ أبي المحاسن وشيخه المجذوب" عن الشيخ بن عيسى:

‎نشأ في ظلال العز وارتضع العلا فجاء تقي يختال في رتب الشمم

‎كان الشيخ بن عيسى يلقب بالكبريت الأحمر وببركة أهل السماء والأرض. وقد قال الشيخ سيدي بصري دفين قبة السوق بمكناس دائما (بتصرف): وقد تربى محمد بن عيسى في بيئة علم وصلاح، وكان رحمه الله منذ ولد متحليا بالكمال والجلال والجمال ولم يظهر عليه عيب خيانة قط لا في الحال ولا في المقال، وكان كريم النفس مهيب المنظر كثير الأدب جميل المعاشرة صاحب محبة وحنانة حلو الكلام..

‎بعدما قضى الشيخ مدة غير طويلة من صباه بين المختاريين انتقل مع والده إلى مدينة فاس فاستوطنها، وحفظ القرآن الكريم في مدة يسيرة، ثم شرع بعدها في تحصيل العلوم الشرعية والأدبية حتى بلغ مستوى علميا جيدا؛ شهد له بذلك الخاص والعام... ولازال المكان الذي كان يدرس به العلم بالجامع الأعظم بمكناس معروفا عند الناس إلى يومنا هذا...

‎جاء في كتاب أحمد الخليفي: "الأنيس الجليل في طريقة ومناقب سيد محمد بن عيسى القطب الكامل" (بتصرف): "وما كاد أن ينتهي من علوم الشريعة حتى كان قد تأثر بالحكمة والحقيقة سيما والطريقة الجزولية الشاذلية قد عرفت حركة روحية عالية، فجاءت أحزابه وأوراده جامعة لما نهجه في حياته العلمية وما تلقاه عن المشايخ، خصوصا بعد اعتناقه طريق القوم كما يتبدى من قصائده الشعرية في التوسل أو في التحدث بنعم الله تعالى عليه؛ فقد نهل من البحرين وارتوى من المنهلين وقضى حياته ما بين التدريس وتربية المريدين بزاويته.

‎قضى الشيخ محمد بن عيسى حياته في تدريس الأمة وتوجيهها بمدينة مكناس بالجامع الأعظم، يقول أحمد الخليفي في كتابه المذكور: "ولم يزل إلى اليوم يحفظ له تعليمه وتدريسه ونفعه الأمة بصفة عامة وذلك بواسطة رخامة عتيقة ملصقة على سارية من سواري المسجد تحمل اسمه..

‎أما لماذا ارتبط في أذهان الناس بما لم يكن أبدا فيه، فتلك حكاية لابد من روايتها لأن فيها عديد الاعتبار الضروري إعادته لهذا الإسلام المغربي الخاص من نوعه‫.‬