ثقافة وفن

البرامج الإذاعية التفاعلية.. تنافس لكسب ثقة المستمع يسائل مصداقية الرسالة الإعلامية

أسامة خيي الخميس 04 يونيو 2015
البرامج الإذاعية التفاعلية.. تنافس لكسب ثقة المستمع يسائل مصداقية الرسالة الإعلامية
Studio Radio

AHDATH.INFO و م ع

على أثير العديد من الإذاعات التي يحبل بها المشهد السمعي البصري الوطني، تتعدد البرامج التفاعلية التي تجعل من المستمع محورا أساسيا لمواضيعها، حيث تعالج مختلف القضايا التي تهم جوانب شتى من الحياة اليومية، الشخصية والمهنية للمواطنين، عبر فتح خطوط الهاتف أمام المستمعين لتلقي الأسئلة وتقديم الأجوبة المتخصصة.

ففي سياق وطني يتسم بفورة إعلامية تشهدها أمواج الإذاعات العمومية والخاصة، بإيجابياتها وسلبياتها، تتعدد البرامج الإذاعية التي تناقش اهتمامات المواطن في جميع المجالات، جاعلة من التواصل المباشر مع المستمع حلقة أساسية ضمن العملية التواصلية، مما جعل المواطن ينفتح بشكل أكبر على هذه البرامج التي استطاعت أن تستقطب، بفضل سهولة التواصل معها، جمهورا عريضا يتنوع بين المتابع بشكل يومي وبين المتردد بين الفينة والأخرى على أمواج هذه الإذاعات.

فقد أضحت هذه الإذاعات تضطلع بأدوار جديدة، متجاوزة بذلك الدور التقليدي للوسيلة الإعلامية المتمثل في تلقين الجمهور مضامين الرسالة الإعلامية بشكل حصري دون تغذية راجعة، ليصبح الصدى الذي تخلفه لدى المستمعين حلقة أساسية يضمن للقناة الاستمرارية والتطور.

تتنافس هذه الإذاعات بشكل كبير، على استقطاب أبرز الوجوه الإعلامية، أو بالأحرى الأصوات الإذاعية المؤثرة في المشهد السمعي البصري الوطني، فضلا عن المحللين ذائعي الصيت الذين يجذبون أكبر نسب استماع أضحى معها هاجس الربح المادي أحيانا، هدفا مستترا وراء خطاب القرب من انشغالات المواطن المعلن عنه عادة.

هذه البرامج الإذاعية، التي استحوذت خلال السنوات الأخيرة على اهتمام المواطن المغربي، تنطلق من مبدأ قانون القرب من المشاكل والانشغالات والاهتمامات المرتبطة ارتباطا وثيقا بالواقع المعيش اليومي، إذ تسائل ظواهر تسود المجتمع المغربي، مستحضرة في ذلك مستويات متعددة للنقاش، فبعض هذه البرامج ينكب على التحليل الطبي والصحي المحض، والبعض الآخر يتوسل بالتحليل النفسي والاجتماعي أو التطوير الذاتي، الذي يقارب جوانب عدة من الحياة اليومية للأشخاص، والبعض الآخر يعالج الجانب القانوني المتعلق بإشكالات العقار والمعاملات والعقود القانونية بكافة أنواعها، فيما تربط بعض هذه البرامج الوصل بالشق الروحي والديني، لتناقش الاهتمام بجانب العقائد والفرائض والمعاملات الإنسانية، فضلا عن الترفيه الثقافي والفني والسياحة.

تعتبر عائشة التازي، الأستاذة بالمعهد العالي للإعلام والاتصال والصحافية الإذاعية سابقا، أن الإعلاميين يراهنون على هذه البرامج الإذاعية لتسويق خطاب إعلامي ينجح في استقطاب الجمهور، موضحة أن هذه البرامج تحمل إيجابيات وسلبيات على حد سواء.

ففي الجانب الإيجابي لهذه التجربة الإعلامية، توضح التازي أن هذه البرامج حققت إلى حد ما دمقرطة إعلامية، إذ أصبح للمواطن المغربي الحق في مساحة داخل الإعلام العمومي والخاص، مبرزة أن هذه الدمقرطة تتجلى على مستوى الفئات العمرية بمشاركة مستمعين من كافة الشرائح العمرية، إناثا وذكورا، وعلى المستوى الثقافي فضلا عن المستوى الجغرافي من خلال تحقيق إنصاف جغرافي نسبي بالنظر لاستمرار بعض مناطق "اليتم الإعلامي".

ولئن كانت هذه البرامج تحظى باهتمام كبير من قبل المواطنين الذين يتهافتون على التواصل المباشر كلما حان موعد البرنامج المفضل أو ذاك الذي يجيب عن تساؤل معين، حيث تكتظ خطوط التواصل الهاتفي والرسائل القصيرة أو الإلكترونية، فإن السبب يعود بالأساس لكونها فتحت بابا ظل في السابق موصدا، جعل من التواصل مع وسائل الإعلام الوطنية امتيازا لا يناله الكثيرون.

وفي هذا السياق، تشير التازي إلى أن هذه البرامج تعمل على تنمية ثقافة إعلامية لدى المواطن، الذي لم تكن له القدرة في السابق على الحديث بسلاسة وارتجالية عبر المحطات الإذاعية، مساهمة بذلك في تكوين مستمع يتوفر بشكل نسبي على أدبيات الاستماع والمشاركة في البرامج الإذاعية.

تقول خديجة، وهي ربة بيت ينبعث من نافذة مطبخ بيتها في مدينة سلا صوت إحدى الإذاعات الخاصة، أن اهتمامها تحول من متابعة التلفزيون الذي لا يحقق التفاعل المطلوب في نظرها، خاصة في الفترة الصباحية، إذ يمكنها البرنامج الإذاعي من متابعة مواضيع تثير اهتمامها، سواء في مجال الطبخ أو غيره من القضايا الاجتماعية المطروحة للنقاش، مما جعلها أكثر إنصاتا للمواد الإعلامية التي تقدمها مجموعة من الإذاعات.

وتوضح ربة البيت، التي جاوزت العقد الرابع، أنها تجد ضالتها في هذه البرامج التي تمكنها من الاستفادة من نصائح قيمة تساعدها على تطوير حياتها اليومية، فعلى الرغم من أنها تعترف بأنها ليست من الأشخاص الذين يسارعون إلى إجراء المكالمات الهاتفية مع ضيوف برامجها المفضلة، إلا أنها تؤكد أن العديد من الأسئلة التي يطرحها المشاركون تتقاطع مع اهتماماتها الخاصة، وهو ما يجعلها مستمعة وفية لهذه البرامج.

تشاطر هذا الرأي نادية، وهي شابة في ربيعها الثالث والعشرين تدرس بكلية الحقوق بالرباط، سبق لها أن تواصلت بشكل مباشر مع أحد البرامج الإذاعية، طلبا للنصيحة بشأن مشكلة تؤرقها وتمنعها من تحقيق نتائج إيجابية في مسارها الدراسي، مؤكدة أن التجربة كانت ناجحة، إذ مكنتها النصائح التي قدمت لها من إعادة ترتيب مجموعة من الأولويات والتركيز على هدف النجاح في الدراسة.

"أجريت المكالمة الهاتفية في البدء لمجرد دافع الفضول، غير أن الأفكار التي استمتعت إليها بشكل شخصي مكنتني من النظر إلى حياتي بشكل مختلف، إذ أصبحت أسائل كل عمل أقوم به عوض التركيز على الجوانب السلبية في شخصيتي".

عديدة هي أسماء البرامج الإذاعية التي تحفل بها المحطات الإذاعية التابعة للإعلام العمومي والخاص، التي تؤثث المشهد الإذاعي، في فورة إعلامية تسابق الزمن للظفر بحظوة لدى جمهور واسع، حيث تخصص بعض البرامج يوما محددا في الأسبوع لمناقشة قضايا تتعلق بالحالات الطبية، والأسئلة القانونية فضلا عن الحالات الاجتماعية. وتعلن هذه البرامج من خلال أسمائها، عن مجال تخصصها.

لقد اقتربت هذه البرامج، من الواقع اليومي للمواطن، حيث فتحت له الباب للتعبير بكل حرية عن انشغالاته، لتشهد بذلك على تغير عميق يعرفه المجتمع المغربي، الذي أضحى أكثر انفتاحا على الفضاء السمعي البصري، وأكثر قدرة على التعبير عن همومه واهتماماته.

غير أن البعض يؤاخذ على هذه البرامج انسياقها وراء البحث عن متخصصين في كافة المجالات، في غياب المصداقية أحيانا، وذلك بهدف استقطاب جمهور إذاعة منافسة على سبيل المثال، من خلال التطرق للمواضيع ذاتها، حيث تتكرر النقاشات دون أن تأتي بالجديد.

ففي الجانب السلبي، تقول التازي إن هذه التجربة تخلو على الخصوص من التدبير المهني المحكم، فغالبا ما يكون القائمون على تنشيط هذه البرامج دخلاء على المجال الإعلامي، أو صحافيين بتجربة محدودة لم يبلغوا بعد المستوى المهني المتجسد في الدراية بالأدبيات وامتلاك الناصية المهنية، وهو ما لا يخدم بشكل شمولي الأدوار الأساسية التي يضطلع بها الإعلام، والمتمثلة في الإخبار والتوعية والتنشيط.

إذ أن أغلب المحطات، تضيف الأستاذة، تعتمد على جانب التنشيط ل"اقتناص المستمعين" وخلق قاعدة عريضة، ليظل الدور التحسيسي والتوعوي عنصرا نادرا ما يحضر. ولدى إثارة القضايا التي تهم الرأي العام، يتم تنشيط البرامج بخلفية غير متمكنة وتتم استضافة شخصيات لا تتناسب في بعض الأحيان مع طبيعة الموضوع.

كما أن بعض المتخصصين في مخاطبة جمهور البرنامج، ينساقون وراء مستويات متعددة من التحليل، لينغمسوا في جبة التحليل النفسي والديني والاجتماعي، دون أن تكون لهم صفة مهنية تخول لهم الخوض في كافة المواضيع، إلى جانب المنشطين الإذاعيين الذين يعتمرون أحيانا قبعة المحلل النفسي والواعظ الديني والوسيط الاجتماعي، بقوة إقناعية ينبهر بها المستمع أحيانا.

وفي هذا الصدد تقول التازي، إن هذه البرامج تعيد تكرار المواضيع المطروحة وتستضيف الأسماء ذاتها التي أضحت مستهلكة في الحقل الإعلامي، لتساهم بذلك في الترويج ل"أسطورة وهمية" وتلميع صورة أشخاص يصبحون "نجوما وهميين" لدى الجمهور ينهجون أسلوب "الحلقة" لجذب الاهتمام وتحقيق الانبهار، وذلك في مقابل تغييب الفعاليات الحقيقية في مجالات التخصص التي تحتكم إلى الخلفية العالمة في مناقشة القضايا المطروحة.

"فبعد أن كنا نراهن على دور التوعية والتحسيس، أصبحنا الآن نخشى من ترويج نماذج لنجاح مفتعل ولا يقتدى بها خاصة في صفوف الجيل الناشئ بالنظر لكونها تشكل خطورة على الشباب"، تضيف الأستاذة الإعلامية.

تشير التازي إلى أن إثارة المواضيع المسكوت عنها، وعلى الرغم من كونه أمرا إيجابيا، إلا أنه يتم بشكل يقتصر على الإثارة، دون السعي نحو تحقيق التراكم النوعي لدى المواطن، في حين يتم ترك القضايا المصيرية على هامش دون أن يتم الخوض فيها وطرح الأسئلة التي تؤرق الانشغالات الحقيقية للمواطنين، وذلك إلى جانب تكريس رداءة لغوية.

من جانب آخر، تعتبر التازي أن الأسماء الوازنة في مجالات تخصصها، خاصة علم الاجتماع، تتحمل المسؤولية في ترك المجال شاغرا أمام الأسماء التي لا تمتلك مصداقية، داعية إلى إعطاء نموذج مضاد بغية تمكين المستمع من المقارنة بين ما يقدم له، وذلك خدمة لترقية الخطاب الإعلامي وتطوير الرسالة الإعلامية الهادفة.

وتظل النماذج الإعلامية الإيجابية في هذا الإطار، استثناءات تعمل على ترويج رسالة إعلامية هادفة.

تؤكد التازي أن مشكل غالبية البرامج يتمثل في غياب التحلي بالمهنية مما يسقط الخطاب الإعلامي في حالة من التردي ولا يضطلع بالدور المنوط به في إنشاء مجتمع واع، معبرة عن التخوف من "فقدان المناعة الإعلامية". فالهدف المطلوب، تضيف التازي، يتمثل في تكوين مستمع يتوفر على أدبيات التعامل مع الإعلام، يتمكن، بصفته مكسبا للإعلام إن لم يكن فاعلا فيه، من امتلاك أدبيات تحليل الرسالة الإعلامية.

ويظل التأطير المهني للمسؤولين عن تقديم البرامج الإذاعية والتحلي بأخلاقيات المهنة، إذن، الوسيلة المثلى لبعث روح جديدة في أغلب البرامج الإذاعية التي أضحت تستنسخ المواضيع دون كلل، شريطة الاجتهاد لتطوير مضامين الرسالة الإعلامية الهادفة.