فكر و دين

مقام المجاهدة

أسامة خيي السبت 18 أبريل 2015
مقام المجاهدة
AP 1

AHDATH.INFO - خاص

أنطلق من كلام الشيخ الأكبر في فتوحاته المكية، حول «العمل» الذي «فيه مشقة لما يعانيه العامل»، و«المجاهدة» التي هي «مشقة وتعب»، لأسمي اختبارا ذاتيا أعيشه في تفاصيله اليومية.

أواجه رجسا من عمل الشيطان، وأعمل في كل لحظة على اجتنابه بالعمل والفعل. أريد أن أقف في مقام الانقطاع الكلي. أعلم أنه «عمل» علي أن أصل فيه إلى «الكسب». هذا ليس حالا يحل بي الشعور به، ويحكمني من موقع كونه وهبا. أما مقام الانقطاع فعمل شاق وكسب، وأعلم أنني عامل وأجد في عملي مشقة يومية أكابدها. هي «مجاهدة» خاصة بي.

عملي اليومي يقتضي المشقة حتى أصل إلى مرتبة «المجاهد»، وأكون «من أهل الجد والمشقة والمكابدة». أريد تحقيق مرتبة الفلاح، وأعلم ما ينتظرني من عمل ومشقة يتجددان في كل لحظة لعلي أفلح في مسعاي.

مجاهدتي شخصية تعنيني أنا بالذات. مجاهدة مستصحبة لتكليف اجتناب عمل الشيطان، وما دام تكليف الاجتناب موجود، كانت مجاهدتي قائمة العين.

مجاهدتي ضاربة في الذاتية. لن أقترب من رجس الشيطان. هو حمل النفس على المشاق البدنية المؤثرة على مزاجي. تخصصت في المشي على القدمين لمسافات طويلة. علي تحمل المشقة. الاجتناب يقتضيها. الأعمال المنزلية مضمار آخر، ثم الغرق في الكتابة والنقر على اللوحة الإلكترونية للحاسوب ونظم حروفها. كلها أعمال تهذب خلقي وتدربه على احتمال المشقة إلى حد الابتعاد اليومي عن رجس الشيطان الرجيم.

مجاهدتي «محمودة شرعا»، بما هي مجاهدة في سبيل الله لأنها تتوخى الاجتناب بما هو تكليف بالنص.

أرغب في الحياة الدنيا دون ذلك الرجس من الشيطان. لا أزهد فيها ما كانت في ما أحله الشارع. بذلك أزيد طاعة ومعرفة بالحق سبحانه وتعالى.

أجاهد في نفسي الأمارة بالسوء وأعمل على عصيانها والانقياد للرجس الذي هو من عمل الشيطان. عمل في مواجهة عمل. عمل رباني يروم في كل لحظة تكليف الاجتناب وتجديده، وعمل شيطاني تنقشع ومضاته في النفس، وعلي مشقة المواجهة وجهد العمل اللحظي حتى لا أسقط ثانية في هجر الاجتناب.

أعلم أن ما يضرني فيه منافع لغيري. هذا لا يعنيني لأنه يضرني نفسيا وبدنيا ويبعدني عن الطريق إلى الحق سبحانه وتعالى. أبعدني لسنوات. مرحلة سوداء عشت فيها التيه والغرق في رجس الشيطان، وصرت فيها كمن لا يدري ما به ولا يعلم مصابه. أحمده على القوة التي منحني لأذهب في الا جتناب بعيدا. هي مجاهدتي الشخصية وأنا فخور بعملي وما يقتضيه مني مشقة.

فقدت بمجاهدتي وعملي مألوفا من مألوفاتي ولست نادما على ما فقدت لأن فيه مصلحتي النفسية والبدنية. أعلم ما ينتظرني مستقبلا من طول المشقة وتعب الطريق حتى يكتمل عمل الاجتناب.

أضيف عملي إلى الحق. أعطي ذلك العمل حقه. أراه من زاوية من هو له. أنا رهن الإشارة. موجود في حياتي الدنوية لاجتناب الرجس الذي هو من عمل الشيطان، وأعلم أن ربي كتب على نفسه الرحمة، وأن رحمة من رحمته نزلت علي وأنا طريح الفراش بين الحياة والموت في المصحة. ابتلاني واختبر قدرتي على العمل والمجاهدة لاجتناب الرجس الذي قادني قسم الإنعاش.

غادرت المصحة وانطلقت المجاهدة. عمل في كل لحظة يسعى إلى تحقيق مقام الاجتناب. في كل لحظة من وجودي أنا أعمل وأفعل في دنياي من أجل الوصول إلى ذلك المقام. أقوم بتأجيل الحكم النهائي حتى يستمر العمل وتتواصل المشقة. لذتي الخاصة بي. مسألة ذوقية يعسر على اللغة وكلماتها التقاطها في جمل مفيدة تفي بالمعنى المراد.

 

جمال زايد