مجتمع

«علوم ومستقبل»: المغرب ضد كوفيد.. تنويه عالمي

طه بلحاج الاحد 21 يونيو 2020
cover-S&V
cover-S&V

AHDATH.INFO- ترجمة سعيد نافع

في الوقت الذي يعبر العالم الموجة الأولى من عدوى فيروس كورونا، يبدو الظرف مؤاتيا للوقوف على جهود كل الدول في مواجهة الجائحة. خلال هذه الجائحة برزت دول عن غيرها كألمانيا وكوريا الجنوبية، أو المملكة المغربية، التي لم تتجاوز الإصابات فيها الـ10 آلاف، مع تسجيل وفاة 213 شخصا فقط، وهو معدل عالمي مقبول جدا خصوصا إذا ما قارناها مع الأرقام، التي سجلت في إسبانيا ذات الـ45 مليون نسمة، حيث تجاوز عدد وفيات كوفيد فيها 25 ألف ضحية وأزيد من ربع مليون إصابة.

تحسيس شامل.. وفنادق تتحول لمستشفيات

أقرت سلطات البلاد حالة الطوارئ الصحية في 20 مارس الماضي بشكل صارم مع إلزامية حجر صحي لا يسمح فيه بالخروج إلا عبر ترخيص رسمي ومع استعمال كمامات واقية، تحت مراقبة شديدة من قوات الأمن التي عبأت بشكل مكثف في مختلف طرقات وشوارع البلاد، للحد من انتشار الوباء. ولم يكتف المغرب بهذه الإجراءات الاحترازية، بل شرع في تعميم حملة تحسيسية باللغات الثلاث الأكثر استعمالا في البلاد: العربية والأمازيغية والفرنسية، لكي تصل شروحات التحسيس لكل مناطق المغرب وتستهدف كل الشرائح العمرية. كما أن الإعلام العمومي، خصوصا القنوات التلفزية، انخرطت في ترويج وصلات إشهارية على مدار اليوم، أنجزها خبراء الصحة، بعيدا عن أي تدخل سياسي. وقد سمحت هذه الحملة للمغاربة بالتعرف على خطر الوباء وشرحت لهم الغاية من الالتزام بالشروط الصحية الجديدة.

بشكل موازي، تمت تعبئة البنيات التحتية للبلاد لخدمة هذا الغرض. لقد رأينا، بعد توقف النشاط السياحي، كيف تحولت الفنادق إلى مستشفيات أو مناطق عزل للمصابين، أو لإقامات لإيواء الأطر الصحية التي تمارس مهنتها بعيدا عن محل إقامتها الرسمي أو عن مدنها الأصلية. وكان الغرض من هذا الإجراء المنع الصارم لتفشي الإصابة بالفيروس على نطاق واسع بين السكان.

جهاز فحص مغربي مائة بالمائة

وككل بلدان العالم، كان على المغرب مواجهة تحد مهم يتمثل في التزود بالأجهزة الضرورية لمواجهة الوباء. على الفور تم تحويل عدد من الوحدات الصناعية المتخصصة في إنتاج النسيج إلى خلايا لا تتوقف فيها الحركة ممن أجل تصنيع مئات الملايين من الكمامات الواقية، التي تحول جزء مهم منها إلى التصدير، في إطار التعاون الدولي لمواجهة الوباء. كان الغرض أيضا من هذا التحول، تمكين المغرب من استقلالية الحصول على الكمامات في وقت سيطر فيه التخوف حول رغبة القوى العالمية الكبرى في الاستحواذ على الإنتاج العالمي من الكمامات الواقية.

وكانت البداية بإنتاج 10 ملايين كمامة يومية حسب أرقام وزارة الصناعة المغربية، بثمن لا يتجاوز درهما واحدا للقطعة حتى يكون المنتوج في متناول كل مغربي. وما كان لكل هذا المجهود المغربي أن يرى النور لولا دعم الصندوق الخاص لمواجهة انتشار الجائحة الذي أقرته أعلى سلطات البلاد، والذي ساهمت فيه كل القوى الحية ورجال الأعمال والصناديق والمؤسسات الاقتصادية والتجارية والرياضية الكبرى. ولضمان إنتاج مكثف من الكمامات تم تجنيد الساكنة السجنية في أكثر من 20 مؤسسة حبسية، ساهموا بإنتاج يومي تعدى الـ20 ألف قطعة يومية.

«الفحص.. الفحص.. الفحص».. لقد كان المغرب سباقا لاعتماد نصيحة منظمة الصحة العالمية لكل دول المعمور، كاستراتيجية أساسية لمواجهة تقدم فيروس كورونا. هكذا انتقل المغرب في بداية مارس من 50 /60 فحصا يوميا، إلى 18 ألف فحص في مستهل يونيو الجاري في 24 مختبرا متخصصا على مدى التراب الوطني، كما يؤكد وزير الصحة المغربي رشيد آيت الطالب.

سيركوس.. جهاز التنفس الذكي

أقنعة.. أجهزة فحص.. لكن أيضا أجهزة تنفس بصنع محلي مائة بالمائة. أنتج الجهد المغربي المشترك بين متخصصين في العلوم والطب من جامعة محمد الخامس بالرباط وتمويل لأكبر تجمع صناعي مغربي في إنتاج السكر وقسم الصحة للقوات المسلحة الملكية وشركة «افيارايل» المتخصصة في صناعة الطيران جهاز التنفس الذكي «سيركوس». سعيد بنحجو، الرئيس المدير العام لشركة «افيارايل»، يصف المشروع قائلا: «في الأصل نحن شركة متخصصة في صناعة الطيران ولكن مع انتشار جائحة كوفيد أردنا أن نشارك في المجهود الذي انخرط فيه كل المغاربة وأن نقدم خدمة لكل المغاربة، فشاركنا في إنتاج هذا الجهاز. راعينا في الجهاز أن يكون قابلا للاستعمال لكل المصابين، بمن فيهم أولئك الذين يقبعون في غرفات الإنعاش في حالة غياب تام عن الوعي، والذين يظلون تحت رحمة آلات التنفس. قيمة الجهاز الجديد تأتي من كونه يتحكم في دورة التنفس الكاملة. في حالة المرضى الواعيين، فإن استعمال الجهاز يكون حسب الطلب والحاجة، وبالتالي فلا دخل للآلة في هذه الحالة. كان على الجهاز لكي يكون ذكيا أن يكتشف متى يحتاج المريض لهذا الحل أو الحل الآخر».

تصنيع النماذج الأولى لجهاز التنفس الذكي سيركوس انطلق في نهاية شهر مارس الماضي، ولم تتوقف عملية تطويره منذ ذلك التاريخ. اليوم تستطيع شركة «افيارايل» تصنيع ما بين 50 و100 جهاز تنفس صناعي ذكي في اليوم الواحد، كما يتم التفكير في تطوير نموذج آخر، في المرحلة المقبلة.

الكلوروكين.. نتائج طيبة

منذ نهاية مارس أعلن المغرب أنه سيصف الكلوروكين في علاج كوفيد 19. شفيق الكتاني، الأستاذ المحاضر بكلية الطب والصيدلة بالدارالبيضاء والمتخصص في طب الإنعاش الاستعجالي، أكد أن المجلس العلمي المغربي قرر توصيف مادة الكلوروكين للمرضى في إطار بروتوكول وطني بتحمل مصاريف علاجهم. واعتبر المجلس أن عدم إعطاء هذه المادة للمرضى يتضمن خطرا كبيرا على صحتهم وقد سمح المجلس للمسؤولين الصحيين بتقدير الجرعات اللازمة حسب حالة تطور المرض عند كل مصاب.

دعم للأشقاء الأفارقة

هذه الإنجازات العلمية والميدانية لم تكن لترى النور لولا وجود صندوق مواجهة انتشار وباء كوفيد الذي أطلقه العاهل المغربي الملك محمد السادس في منتصف مارس الماضي، والذي تمكن من ضخ ما لا يقل عن 33 مليار درهم في المجهود الوطني للحد من الجائحة، ما ساهم في الحد من التداعيات الاقتصادية والاجتماعية للوباء. هذا الصندوق ساهم فيه الاتحاد الأوروبي بـ450 مليون أورو. وقد مكن تدبير الصندوق من تمويل التكاليف الإضافية والاجتماعية للشركات، وتمكين المقاولات، باختلاف أحجامها ونشاطها، من الاستفادة من قروض تضمنها الدولة.

حرص المغرب على صحة أشقائه الأفارقة لم يجعله يتوقف في رصد الجهود لفائدة مواطنيه فحسب، بل تعدى الأمر إلى مد يد العون للدول الإفريقية المجاورة، حيث أعلن المغرب يوم 14 مارس الجاري عن إرسال مساعدات طبية لبوركينافاصو والكامرون وجمهورية الكونغو والسينغال وتشاد والنيجر، تتمثل في 8 ملايين قناع طبي و30 ألف لتر من المطهرات اليدوية و75 ألف علبة ممن دواء الكلوروكين.

منظمة الصحة العالمية تشيد بالمبادرة الملكية

أشادت منظمة الصحة العالمية بمبادرة جلالة الملك محمد السادس المتعلقة بمنح مساعدات طبية للبلدان الإفريقية، حيث رحبت بهذا العمل الخيري السخي، «الذي يشكل تمظهرا أصيلا وملموسا للتضامن الإقليمي» في مكافحة جائحة فيروس «كوفيد-19».
 وأكدت الوكالة الأممية في مذكرة وجهتها إلى بعثة المملكة بجنيف «أن سخاء صاحب الجلالة الملك محمد السادس، المتمثل في إرسال مساعدات طبية إلى مجموعة من الدول في المنطقة الإفريقية، قصد دعم جهودها في محاربة كوفيد-19، يشكل تمظهرا أصيلا وملموسا للتضامن الإقليمي، المندرج في إطار التضامن العالمي الذي ما فتئت تدعو إليه منظمة الصحة العالمية».
 وقالت منظمة الصحة العالمية «إننا نحتاج في سياق التصدي العالمي لهذا التهديد المشترك إلى بعضنا البعض»، معربة عن عميق امتنانها لجلالة الملك على هذه البادرة الكريمة التي تشهد -تضيف المنظمة- على «تشبث» جلالته بـ«المبادرة الملكية البراغماتية الأخرى الموجهة نحو العمل، والتي تم إطلاقها في أبريل 2020، من أجل دعم البلدان الإفريقية في مختلف مراحل تدبير الجائحة». كما حرصت المنظمة، من جهة أخرى، على تهنئة المقاولات المغربية التي قامت بتصنيع المنتوجات وتجهيزات الوقاية الممنوحة للدول الإفريقية، وفقا لمعايير منظمة الصحة العالمية.