آراء وأعمدة

الوعاء الفارغ يصدر ضجيجا أكثر

طه بلحاج الخميس 04 يونيو 2020
SYMBOLES POLITIQUE
SYMBOLES POLITIQUE

AHDATH.INFO

كان مجرد سؤال. هل تصلح حكومة تقنوقراط لتسيير البلاد في ظل أزمة كورونا؟ هل يمكن لوزراء ينتمون لقطاعات معينة ويمتلكون كفاءات وخبرات في مجالاتهم أن يحققوا الإقلاع الاقتصادي المنشود؟ وبالمقابل هل يمكن للأحزاب السياسية أن تأخذ قسطا من الوقت للتفكير في الإقلاع السياسي؟ هل يمكن أن تعود أقوى بمبادرات سياسية حقيقية؟

كانت في الحقيقة حديث فرضيات وأسئلة تجاذب أطرافه صحافيون ومحللون سياسيون، ليس لهم في العير ولا في النفير.

طرح البعض الفكرة، وناقشها البعض الآخر كل من باب تخصصه في السياسة والاقتصاد والتدبير، وتطوع البعض لاقتراح إمكانية نزولها على أرض الواقع من عدمه، دستوريا وقانونيا وسياسيا.

لكن وقع السؤال كان له صدى كبير في نفوس المنتسبين للأحزاب السياسية الذين لم يستطيعوا الارتقاء إلى مستوى النقاش، بل اتجهوا إلى التأويل والبحث في أسباب النزول، وهو بحث، يتجاوز طبعا، المفهوم العلمي، ليرتمي في أحضان المصلحة الحزبية الضيقة التي تعني في الحقيقة، حماية النصيب من العكعكة.

في الواقع لم يكن مستوى الأحزاب السياسية في نقاش هذا الموضوع مفاجئا، ذلك أنها منذ ردح من الزمن عودتنا على تفاهات النقاش وتفاهات التدبير وتفاهات الكواليس، مع بعض الاستثناءات التي تقع كما تحدث حوادث السير.

لقد تعود الناس على صم آذانهم كلما صدحت الأبواق الحزبية وانضافت إلى هذه الصورة الصوتية صور بصرية تعززها الحملات الانتخابية وتهافت السياسيين شحتا للأصوات. وإذا كان من الطبيعي أن تعمل الأحزاب السياسية على تعبئة المواطنين للإدلاء بأصواتهم لفائدتها في إطار العملية الديموقراطية التي تسعى إلى خدمة الصالح العام، فإن هذه العملية صارت معطوبة في مشهدنا الحزبي واقترنت الأصوات بالمكاسب وابتعد الخطاب السياسي عن موضوعية المصلحة العامة وسقط في الذاتية. علما أن هذه الأحزاب تعلم مدى أهميتها وأهمية الأدوار المنوطة بها -عامة- والتي تؤسس للعملية الديموقراطية.

وعلى العموم ليس هذا هو بيت القصيد.

لقد دخل المغرب حالة الطوارئ الصحية منذ 20 مارس وتعبأت الدولة بمختلف أجهزتها، العديد من القطاعات والمؤسسات الاقتصادية والاجتماعية والبحثية، لإنجاح الحجر الصحي.

شاهدنا كيف انخرط الجميع لتجنيب البلاد نكسة صحية. وتفاعل المجتمع المدني مع الوصلات التحسيسية التي دخلت كل البيوت عبر وسائل الإعلام، وبلغت القاصي والداني، ومعها انطلقت أكبر حملة تضامنية طوال فترة الحجر التي تشرف على استكمال ثمانين يوما.

الكل ساهم بإمكانياته لدعم الفئات الاجتماعية الأكثر تضررا انطلاقا من الدعوة الملكية الكريمة لإنشاء صندوق خاص بتداعيات انتشار فيروس كرورونا، ومازال الكرم المغربي مستمرا لتيسير مهمة الصندوق.

وعلى المستوى الميداني كان رجال الصحة والقوات العمومية بمختلف تشكيلاتها في واجهة معركة شرسة ضد الوباء.

ومع كل حبة عرق تنضح من الأجساد التي أتعبتها هذه المعركة، كانت المؤشرات الصحية تتحسن. لقد اشتغل الجميع في صمت وسيكون لذلك نتائج إيجابية.

وحدها بعض الهيئات السياسية أثارت ضجيجا وهو كما يقول المثل العربي عبارة عن «جعجعة بدون طحين»، لأن جعجعتها لم تسر في اتجاه المصلحة الوطنية التي تفرضها الظروف الحالية والتي تعبأت لها كل الجهات المواطنة كي تحد من أثر الوباء على البلاد والعباد.

كان من الممكن عوض الخطابات الفارغة أن تستنفر هذه الهيئات أطرها المتخصصة (إذا كان لها أطر) للمساهمة ميدانيا في مختلف المجالات. أن تنتج على الأقل توصيات ومقترحات للخروج من الأزمة بأقل الخسائر وأن تشتغل أطرها تطوعا إلى جانب مؤسسات الدولة. أن يساهم كبار المقاولين المنتمين لهذه الهيئات في دعم الاقتصاد الوطني. وأضعف الإيمان أن تبتكر أسلوبا تواصليا يليق بمقام هذا الشعب.

لو كانت أوعيتها ممتلئة لما سمعنا كل هذا الضجيج.