ثقافة وفن

طارق جبريل: الجعدة دارتها بيا

بقلم: طارق جبريل الخميس 05 أبريل 2018
384_1275213360
384_1275213360

AHDATH.INFO

دعيت إلى مأدبة عشاء خاصة منذ يومين لدى أسرة طنجاوية قحة. لبيت الدعوة بشيء من الفرح، فنصف دماء أبنائي طنجاوية، وتعرفت على الكثير من شمال المغرب من خلالهم، أحببت قراهم «المعلقة في السماء»، التي تعلو الوديان، وتركض الحياة في عروقها، ورسخت في ذهني «شاشيتهم» كرمز للفخر، ورنين كلماتهم، على وجه الخصوص «آآآش عندك آآآآلعايل» له محبة خاصة في النفس، حتى «البوكاديو» خاصتهم وجد له مكانا في عمق العاطفة.

يتقن الطنجاوة، بشكل كبير، تقديم «الشلاضة» والمقبلات، التي تسبق الطبق الرئيس، يجعلون من طقس «الشلاضة» متنفسا للحكي و«الونسة» وتجاذب أطراف الحديث، حتى مكونات هذه المقبلات أصبحت جزءا من الحديث يومها، هذا يحبذ الخص، وذاك «كيحماق على الباربا»، وثالث يهيم بالخيار، ثم طفق أحدهم يعدد مزايا «الجعدة» وفوائدها الجمة، وكيف أنها تكون «بنينة» و«حلووة» عندما تكون «طرية»، كان يتحدث عنها كأنها عشيقة، أي والله، كان في عينيه شيء من الفرح الطفولي، حتى خلت أن هذه «الجعدة» طعام أنثوي له أرداف ونتوءات.

وجدتني «تائها» عن هذه «الجعدة»، ربما هي نوع من الأكلات المغربية لم نتصادف أنا وهي في مائدة واحدة منذ ما يزيد عن العقدين ونيف مدة إقامتي في هذا المغرب الذي أحب. هل يا ترى هو نوع من الأسماك يطبخ على «التاكرا» الشمالية، أم أنه «طاجين» قدم به الموريسكيون إلى تخوم شفشاون و«طنجة يا العاليا»، بعد أن فروا من محاكم التفتيش في إشبيلية وغرناطة وأصبح أحد موروثات الهجرة العكسية؟ ربما يتعلق الأمر بنوع من «القديد» لم تخلق لنا الصدفة براحا كي نلتقي؟ أيكون شيئا مثل «الكرداس» من بقايا «العيد الكبير» ضن علي به القوم؟ هل هو نوع من الفاكهة سيأتي دوره بعد أن نزدرد الطبق الرئيس؟ لكن أي فاكهة هذه التي غابت عني كل تلك السنون؟ يا ترى هل هو من فصيلة الفريز الذي يأتي من العرايش، أم هو أشبه بالمندرين البركاني؟

تناسلت أمامي الأسئلة والقوم يتحدثون عنه، لا أدري ماذا أقول عن شيء أسمع به لأول مرة، خشيت أن أسأل عنه فأقع في المحظور، كتلك المغربية السرغينية التي تزوجت أحد أبناء النيل، وبعد أن مضى شهران على استقرارها عند ملتقى النيلين وجدت أن هناك عطبا ما أصاب «الروبيني»، وحين أحضر زوجها «البلومبي» أشارت بدارجة مغربية إلى مكان العطب، وكان للكلمات معنى آخر لدى «هؤلاء السمر»، فما كان من زوجها إلا أن صرف «البلومبي»، وقام بدك «الروبيني» بالأرض من الغضب.

وأنا في حيرتي تلك، فإذا بمحب «الجعدة» يطلب من سيدة المنزل أن تزيده «طبسيلا» آخر عله يشفي آلام «الحرقة» المعدية التي تنتابه هذه الأيام، ذهبت السيدة إلى «الكوزينة» وأتت بطبق صغير من «الخزو» وضعته أمامه، أتاني إحساس أن شعر رأسي بدأ ينبت من جديد، وأنني أصبحت «محمرا» كـ«فلفلة»، فـ«الجعدة»، أيها القروي القادم من منحنى النيل، لا تعدو أن تكون سوى «الجزر»، الذي تنوعت مسمياته هنا عند سفوح الأطلس..