السياسة

الثعلب كيسنجر يخرج عن صمته..وهذا تحليله لتحديات مستقبل العالم

مجيد حشادي الخميس 10 أغسطس 2017
Primakov Readings International Forum in Moscow
Primakov Readings International Forum in Moscow

AHDATH.INFO

دعا هنري كسينجر، وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي الأميركي الأسبق، إلى إعادة تعريف مهام حلف الأطلسي "الناتو"؛ لمجابهة التحديات الجديدة، محذراً من تحرك دول، مثل روسيا والصين والهند، لملء الفراغ بالشرق الأوسط إذا تراجع دور الغرب.

وعرض كيسنجر، الملقب بثعلب الدبلوماسية، في مقال نشره موقع CapX البريطاني، التحديات الرئيسة التي تواجه الغرب في ظل بوادر إنهيار النظام العالمي القديم.

روسيا.. عدو أم منافس؟

ينبغي للدول الغربية تطوير علاقاتها مع روسيا، وهي دولةٌ تُشكِّل عنصراً حيوياً في الأمن الأوروبي، ولكنَّها تتبنى، لأسبابٍ تاريخية وجغرافية، وجهة نظر مختلفة اختلافاً جوهرياً عمَّا يضمن التوصُّل إلى تسويةٍ مُرضية للطرفين في المناطق المجاورة لروسيا؟ هل يتمثل المسار الأفضل في الضغط على روسيا، ومعاقبتها إذا لزم الأمر، حتى ترضخ لقبول الآراء الغربية عن نظامها الداخلي والعالمي؟ أم هل بقيت هناك فرصة متاحة لعملية سياسية تتخلص من النفور المتبادل، أو تُخفف حدته على الأقل؛ سعياً للتوصل إلى مفهومٍ متفق عليه بشأن النظام العالمي؟

وهل يجري التعامل مع الحدود الروسية على أنَّها منطقةُ مواجهةٍ دائمة، أم يمكن تشكيلها لتصبح منطقة تعاون محتمل؟ وما معايير هذه العملية؟ هذه هي الأسئلة الخاصة بالنظام الأوروبي التي تحتاج إلى دراسة منهجية. ويحتاج كلا المفهومين إلى قدرةٍ دفاعية؛ لدرء رغبة روسيا في استخدام الضغط العسكري، حسب قول كسينجر.

هكذا ستغير الصين العالم

يشير المفكر الأميركي إلى أن الصين أطلقت "مبادرة الحزام والطريق" كمشروعٍ كبير ينطوي على تداعيات سياسية، واقتصادية، وثقافية، وأمنية، من بحر الصين الشرقي إلى القناة الإنكليزية.

ويشير إلى أن الصين دولة فريدة، وتتجاوز أبعاد الدولة التقليدية؛ فهي في الوقت نفسه حضارة قديمة، ودولة، وإمبراطورية، واقتصاد معولم. وبلا شك، ستسعى الصين إلى تكييف النظام الدولي بما يتفق مع تجربتها التاريخية، وقوتها المتزايدة، ورؤيتها الإستراتيجية.

وفي هذه العملية، ستصبح الولايات المتحدة والصين أكبر بلدان العالم تأثيراً، على المستويين الاقتصادي والجيوسياسي، وستضطران إلى إدخال تعديلاتٍ غير مسبوقة على تفكيرهما التقليدي.

أي دورٍ سيكون لأوروبا في مثل هذا العالم؟ جزءٌ من العالم الأطلسي أم ككيانٍ يعيد تعريف نفسه ويتكيف بشكلٍ مستقل مع التقلُّبات المحيطة به؟ أم ككيانٍ متمايز تشترك عناصره في نموذج تاريخي لتوازن القوى؟ وما هو نوع النظام الدولي الذي سيعتمد على مدى تزامن مفاهيم الأطلسية و"مبادرة الطريق والحزام"؟

الشرق الأوسط.. عدو عدوك ليس صديقك

أصبح النظام الذي ظهر بالشرق الأوسط نهاية الحرب العالمية الأولى، الآن، في حالةٍ من الفوضى. فقد توقَّفت 4 دول في المنطقة عن العمل كدول ذات سيادة؛ إذ أصبحت سوريا، والعراق، وليبيا، واليمن ساحات معارك للفصائل الساعية لفرض حكمها.

وعبر مناطق واسعة من العراق وسوريا، أعلن جيشٌ ديني متطرِّف أيديولوجياً، هو تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، نفسه عدواً عنيداً للحضارة الحديثة، ساعياً بعنف كي تحل إمبراطورية إسلامية واحدة تحكمها الشريعة محل النظام الدولي ذي الدول المُتعدِّدة.

في ظل هذه الظروف، يمكن اعتبار أنَّ القول التقليدي المأثور بأنَّ عدو عدوك هو صديقك لم يعد منطبقاً. ففي الشرق الأوسط المعاصر، قد يكون عدو عدوك هو أيضاً عدوك. ويؤثِّر الشرق الأوسط على العالم بتقلُّبات أيديولوجياته، تماماً بقدر ما يؤثر عليه بسبب ما يُتَّخذ من إجراءات بعينها.

الإمبراطورية الإيرانية

قد تكون حرب العالم الخارجي مع "داعش" مثالاً على ذلك. فمعظم القوى بخِلاف "داعش" –وضمن ذلك إيران الشيعية والدول السُنّيّة الرائدة– تتفق على الحاجة لتدمير التنظيم.

لكن أي كيان يُفتَرَض أن يرث أراضيه؟ أهو ائتلاف من السُنَّة؟ أم مجال نفوذٍ تهيمن عليه إيران؟ والإجابة عن هذا السؤال مُحيِّرة؛ لأنَّ روسيا ودول حلف شمال الأطلسي "الناتو" تدعم فصائل مُتعارِضة.

وإذا ما سيطر الحرس الثوري الإيراني أو القوى الشيعية التي يدرِّبها ويشرف عليها، فإنَّ النتيجة قد تكون حزاماً من الأرض يصل من طهران إلى بيروت، وهو ما قد يكون إيذاناً بظهور إمبراطورية إيرانية مُتطرِّفة.

وتعقَّدت الحسابات الغربية بالتحوُّلات الناشئة في تركيا، التي كانت يوماً فاعلاً مؤثراً رئيساً معتدلاً، من دولةٍ علمانية إلى صيغةٍ أيديولوجية إسلامية.

هذا ما ستفعله روسيا والصين والهند

سيؤثر الدور الجديد لروسيا على نوع النظام الذي سيظهر. فهل هدفها هو المساعدة في هزيمة "داعش" ومنع ظهور الكيانات المماثلة؟ أم أنَّ ما يحركها هو الحنين إلى بحثها التاريخي عن الهيمنة الاستراتيجية؟

إذا كان هدفها هو الأول، فإنَّ سياسةً تعاونية من جانب الغرب مع روسيا قد تكون بنَّاءة. أمَّا إذا كان هدفها هو الأمر الثاني، فإنَّ تكرار أنماط الحرب الباردة أمرٌ مُرجَّح. وسيكون توجُّه روسيا بشأن السيطرة على أراضي "داعش" الحالية، الموضَّحة آنفاً، اختباراً رئيساً في هذا الشأن.

والخيار نفسه يواجه الغرب، فعليه أن يُقرِّر ما هي النتيجة التي تتوافق مع نظامٍ عالمي آخذ في التشكُّل والكيفية التي يُعرِّفه بها.

وإذا بقي الغرب منخرطاً دون خطة جيو-استراتيجية، فإنَّ الفوضى ستتنامى.

إلى أين يتَّجه حلف الأطلسي؟

إن الناتو واضح بشأن التزاماته الدفاعية أكثر مما هو واضح بشأن دوره في المساهمة بالنظام الدولي.

وكان الناتو، الذي اعتُبِر رادعاً لاتحادٍ سوفييتي يُهدِّد بزيادة ترسانته من الأسلحة النووية لتضاف إلى تفوقه العددي في القوات البرية، يُمثِّل التزاماً قانونياً وتعبيراً عن الردع المشترك لدول الغرب الحرة من أجل تعزيز قيمها.

وجاء التقليد المتمثِّل بتولّي الولايات المتحدة قيادة الحلف نتيجةً لكون ترسانتها النووية هي الموازن الحقيقي للقوة العسكرية السوفييتية. ومع مرور العقود، تحوَّل الحلف على نحوٍ متزايد إلى ضمانةٍ أميركية أحادية بدلاً من كونه مفهوماً استراتيجياً مُتَّفَقاً عليه ويرتبط بالعالم المتطور.

ويشيد كسينجر، على مدار مقاله، بالرؤية والشخصية السياسية لرئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارغريت تاتشر.

وأوضح أن تصور تاتشر للحلف الأطلسي مختلف تماماً عن الحقائق الحالية. فقد وصفته باعتباره مؤلَّفاً في جوهره من "أميركا كقوةٍ مهيمنة محاطة بحلفاء يتبعون في العموم قيادتها". لكن لم يعد هذا هو الحال تماماً؛ إذ لا تقود الولايات المتحدة بالشكل الذي رأته تاتشر، وأصبحت عقلية الكثير من الأوروبيين تصبو نحو استكشاف البدائل.

يقول كسينجر في ختام مقاله: "اسمحوا لي بأن أختم بتكرار التحدي الذي ذكرته مارغريت تاتشر في خطاب فندلي والذي ألقته قبل عقدين من الزمن:

إذ قالت ثاتشر: "ما الذي يجب عمله؟ أعتقد أنَّ المطلوب الآن هو مبادرة أطلسية جديدة ومبتكرة. ويجب أن يكون هدفها هو إعادة تعريف الأطلسية في ضوء التحديات التي ذكرتها. وهناك لحظات نادرة يكون فيها التاريخ مفتوحاً ويتغيّر مساره بوسائل كتلك. وقد نكون في لحظةٍ كتلك الآن".