مجتمع

محمد فال القاضي أكاه: مذكرات عائد موريتاني من جحيم معتقلات البوليساريو (ح:7)

محمد سالم الشافعي/ عبد الكبير اخشيشن الخميس 08 يونيو 2017
الحلقة-السابعة-400x400
الحلقة-السابعة-400x400

بعد الصعود إلى الطائرة الجزائرية.. بداية التحول الدراماتيكي في حياتنا

حين صعودنا للطائرة كنا نعتقد أن الرحلة لن تستغرق ليلة كاملة، غير أنها استمرت حتى الساعة السادسة من صباح اليوم الموالي، 21 من أبريل 1979، اليوم الذي سيكون بداية التحول الدراماتيكي في حياتي وحياة عشرات الموريتانيين الأبرياء الذين سيصبحون ضحية لقيادة نظرت إليهم كألد أعدائها وبتواطؤ أو على الأقل بعلم من «الرئيس» الذي يحكم بلادهم.

كانت المحطة الأولى لنا في هذه الرحلة هي مطار نيامي بالنيجر، حيث نزل الركاب الأربعة الذين كانوا بمعيتنا، وبعد انتظار فترة ليست بالقصيرة، صعدت معنا سيدة واحدة متوجهة إلى العاصمة المالية بماكو، والتي ستكون محطتنا الأخيرة قبل الجزائر.

بعد الإقلاع تقدم أحد أفراد الطاقم ليقدم اعتذاره لعدم التمكن من تقديم أية وجبة بسبب عدم توفر الطعام في المطارات التي توقفنا فيها، وبعد الاعتذار قدموا لنا بعض المكسرات والبسكويت وقنينة ماء صغيرة لكل واحد منا، بعدها أصبح لدينا الوقت لينام كل واحد منا على صف كامل من المقاعد لوحده، فتلك الطائرة الطويلة العريضة لم يعد على متنها سوى أفراد الطاقم ونحن الأربعة مع مرافقنا وذلك «المعارض» الغامض.

حين حطت بنا الطائرة في المطار، وجدنا في انتظارنا سيارتين، صعدنا نحن الأربعة في إحداهما وكان سائقها شاب يدعى تقي الله أيده، والذي سيهاجر بعد ذلك بسنين إلى كندا ويصبح من أكبر المحامين الدوليين، بينما صعد في السيارة الثانية مرافقنا صحبة ذلك «المعارض الموريتاني»، الذي كان ذلك آخر عهد لنا به، ليترك خلفه سؤالا محيرا حول ما إذا كان للموضوع علاقة بتنسيق مع ما سيعرف لاحقا بقوات تحرير الأفارقة الموريتانيين (فلام)، خاصة وأن موريتانيا مازالت في حينها لم توقع بعد اتفاق السلام مع البوليساريو.

أوصلنا السائق إلى دار تابعة لسفارة البوليساريو بالجزائر تقع في حي عين الطاية بالعاصمة، قضينا فيها ثلاثة أيام كنا خلالها متشوقين للالتحاق بالمخيمات لبدء حياة جديدة لم تكن لدينا أدنى فكرة عن شكلها، والأمنية الوحيدة التي أعتقد أنها كانت مسيطرة على الكل هي حمل السلاح والالتحاق بجبهات القتال.

في اليوم الثالث من إقامتنا في الجزائر دخل علينا شخص ضخم البنية، سنعرف فيما بعد أن اسمه (التامي)، وطلب منا أن نجهز أنفسنا للسفر إلى تيندوف بعد ساعة، وبالفعل لم تمض تلك الساعة حتى كنا رفقته متوجهين إلى المطار، حيث استقلينا الطائرة إلى تيندوف.

وبالرغم من أن هذه الأخيرة لا تبعد عن الرابوني سوى بـ25 كلم فقد قطعنا تلك المسافة في سيارة تويوتا خلال أكثر من خمس ساعات، وكانت تلك رسالة لم نفهمها إلا بعد مرور سنين طويلة، إذ عرفنا أن عملاء الأمن الذين كانوا يرافقوننا تعمدوا أن يضللونا حتى لا نعرف المسافة الحقيقية، وهو ما يعني أن هناك أحكاما مسبقة علينا دون أن ندري، فظل السائق يدور بنا من الساعة الواحدة زوالا حتى الساعة الخامسة ليتوقف أمام غرفتين من الطين بنيتا في حفرة معزولة وعلى مرتفع يطل عليهما، من الغرب توجد غرفة أخرى عرفنا لاحقا أنها مقر حراس المكان.

أنزلونا في ذلك المكان الذي لم يكن يتوفر فيه أي مقوم من مقومات الحياة، وقد اكتملت فيه صور البؤس والحزن عندما حل الظلام، فأصبح كقطعة من ليل دامس لا يكاد الواحد منا يرى غير أشباح تشبه في شكلها من كانوا حوله، ولولا مشاكسة (أمان ولد الخالص) وملح (محمدن ولد أحمد يامر) رحمة الله عليه لكان وقع الوضع علينا في تلك الليلة ثقيلا رغم قناعتنا أننا لسنا في رحلة سياحية.

وعكس ما كنا نتوقع بأن مقامنا لن يطول في مكان الضيافة ذاك، والذي يبتعد كل البعد عما عرف عن الصحراويين من إكرام لكل وافد. فقد أقمنا فيه لأسبوع كامل ظل خلاله المحققون يتعاقبون علينا، وفي كل يوم يمطرونا بوابل من الأسئلة التي لم نستطع يومها معرفة المغزى منها، ولم نكن نكترث لها لأنها لم تكن تعني لنا شيئا سوى أنها عمل روتيني مع كل القادمين الجدد.