آراء وأعمدة

يونس دافقير يكتب: حامي الدين يقصف نفسه!

طه بلحاج الخميس 16 يوليو 2020
HAMI EDDINE
HAMI EDDINE

AHDATH.INFO- يونس دافقير

في التواصل تقول القاعدة الذهبية، في حالة الزلات والأخطاء والفضائح، أن على المرء أن يسكت قليلا أو يختفي مؤقتا، لكن عبد العالي حامي الدين، القيادي في حزب العدالة والتنمية، لا علم له بهذه القاعدة، ويختار أن يلقي بنفسه في قضايا يكون من التعقل وتفادي التجريح فيه أن يتفادى الخوض فيها، تماما كما في حالة تضارب المصالح التي يظل يرددها في نقد الجمع بين السياسة والثروة.

لنقل الفكرة بشكل آخر أكثر وضوحا: إذا كان عبد العالي حامي الدين متابعا في قضية جنائية تتعلق بالمشاركة في قتل أحد خصومه الإيديولوجيين والسياسيين بداية تسعينيات القرن الماضي، فإن المنطق يقتضي أن يمنع نفسه من الخوض سياسيا في كل ما له علاقة بهذه القضية، وبملف حقوق الإنسان، إلى أن يقول القضاء كلمته وينتهي ذاك المسلسل المثير للجدل.

غير أن عقل حامي الدين يدفعه إلى الاعتقاد بأن رمي نفسه عشوائيا في مثل هذه القضايا سيوفر له الحصانة من استكمال المتابعة القضائية، أو أن يحوله إلى «شهيد سياسي» كما يفعل كل المتابعين في قضايا الحق العام الذي يرصون الصفوف والجبهات لتحويل متابعتهم في أفعال جنائية إلى قضايا سياسية.

الأسبوع الماضي كان لي لقاء ودي مع أحد قادة حزب العدالة والتنمية، طرحت عليه السؤال: «هل كان لابد أن يتدخل حامي الدين في مجلس المستشارين باسم فريق البيجيدي، وهو أيضا رئيس لإحدى لجان المجلس، ليثير موضوع طريقة تعامل المغرب مع منظمة العفو الدولية؟ ألا ترى أن ذلك لا يتناسب ووضعيته وأنه من الأفضل لو ترك التدخل لزميل آخر له في الفريق؟».

وافقني مخاطبي على ما ذهبت إليه، وقال لي: لو كنت مكانه لفعلت ما قلته، لكن عبد العالي هو هكذا.

هل كان عبد العالي حامي الدين، وهو يعطي الدروس لبلده في كيفية التعامل مع أمنستي بدل أن ينتصر للموقف الوطني، يمارس فعلا استباقيا على المدى البعيد، يريد معه أن تكون أمنستي في صفه خلال باقي أطوار محاكمته في ملف مقتل آيت الجيد؟

ذلك وارد، لكن ثمة مشكلة صغيرة فقط: في قضايا البلد، وصورة البلد، لا يمكن أن تمارس المناورة السياسية الصغيرة، وحين يواجه البلد تهديدات بالخسارة لا يجوز لك أن تبحث عن انتزاع ربح صغير.

وفي ملف أمنستي كان حامي الدين يبحث، الأسبوع الماضي، عن انتزاع ربح صغير من قضية وطنية كبيرة. ومجمل تدخله ينبني على خلفية واضحة: وضع رجل مع الرباط ورجل أخرى مع أمنستي. بيد أنه في مثل هذه القضايا تكمن وظيفة البرلماني والصحفي وغيرهما في أن يرفعا سقف الضغط الوطني عاليا، حتى يستطيع رئيس الحكومة أن يتفاوض على الحد الأدنى أو يزيد. لا أن يضعف موقف الحكومة ويرسل رئيسها إلى التفاوض من موقع عزلة وطنية.

ومع ذلك، كان بإمكان المرء أن يعتقد بأنها زلة سياسية من نوع الزلات التي عادة ما يقترفها حامي الدين ثم يحاول تصليحها أو التراجع عنها بعد أن يكون قد فات الأوان تماما كما حدث في موقفه من الملكية، التي قال في الحوار الداخلي لحزبه إنها تعرقل تقدم البلاد، قبل أن يبحث عن تدارك الأمر. لكن الذي حصل بعد ذلك يبين أن لحامي الدين «خطا سياسيا» في الحزب و«خط تحرير في الفيسبوك» يجعله يختار دائما أن ينتحر مبتمسا في قضايا لا تحتمل البوليميك.

حين زار عبد اللطيف وهبي، أمين عام حزب الأصالة والمعاصرة، قيادة حزب العدالة والتنمية، تناقش الناس سياسيا فيما جرى، دلالاته وأبعاده، الممكن فيه وغير الممكن. خصوم عبد اللطيف وهبي قالوا فيه وفي اختياراته ما لم يقله مالك في الخمرة، وخصوم سعد الدين العثماني شككوا في خلفيات اللقاء وأبعاده، كل من كان ضد هذا التقارب من اليمين واليسار وما لا لون ولا طعم ولا رائحة له، عبر عن وجهة نظره ومضى. سوى عبد العالي حامي الدين.

في تدوينة على الفايسبوك سيجد حامي الدين في اللقاء بين العثماني ووهبي فرصة لتصفية حساباته الشخصية، ومناسبة لإسقاط الذاتي على الموضوعي، والخلط الفظيع بين السياسي والقضائي، وبين القانوني والعاطفي الوجداني. وفي النتيجة كال لحزب الأصالة والمعاصرة من التهم ما يضع تدوينته تقع تحت طائلة المتابعة من طرف النيابة العامة.

نعرف أن عبد العالي حامي الدين يعتقد حد الإيمان الأعمى بأن البام هو من حرك الدعوى ضده، وهذه فرضية وليست واقعة، وحتى أن يصدر فاكس إثارة الملف لأول مرة من مكتب الأمين العام للبام لا يمكن اعتباره دليلا ماديا قطعيا على أن البام هو «صاحب دعوته» في هذه القضية، ومهما يكن من أمر، تجاوزت القضية الصراع السياسي الصغير بين البام والبيجيدي ذات زمن قبل تبادل رسائل الود والغزل، لما استقرت بين يدي القضاء، وفي رحاب المحاكم لابد من توقير الباحثين عن الحقيقة والعدالة.

أن يكون بينك وبين شخص في حزب ما عداوة، أو خصومه، أو سوء فهم، أو تاريخ من مساعي الانتقامات المتبادلة، لا يعطيك بأي شكل من الأشكال الحق في أن تتهم حزبا بأنه «يرث تركة ثقيلة من الجرائم التي ارتكبت في العهد السابق لحزبه»، وأن «هناك صفحات مرعبة في تاريخ هذا الحزب، بدءا من فبركة الملفات والزج بالأبرياء في المحاكم والسجون، وانتهاء بابتزاز العديد من الأعيان ونهب ثرواتهم، والضغط عليهم بالملفات».

لم يعد عبد العالي حامي الدين يناقش السياسة بأدوات السياسة ولغتها، لقد صار يكيل الاتهامات الطائشة يمينا وشمالا، وسيكون عليه أن يجيب عن طبيعة وعدد «التركة الثقيلة من الجرائم» التي ارتكبها البام، وأن يحدد عدد «الصفحات المرعبة» وأين كتبت ومن كتبها. وأن يدقق ما هي هذه الملفات المفبركة وفي أية محاكم، ومن هم هؤلاء الأبرياء الذين تم الزج بهم في السجون وبأي تهم، وما هي أدلته على براءتهم…

لقد أراد حامي الدين أن يقصف البام ويقصف وهبي، لكن صواريخه انفجرت بين يديه قبل أن تصل إلى غريمه.

ولم يعد السؤال مطروحا حول البام، لأن حامي الدين بالتدوينة التي كتب يتهم القضاء بالتواطؤ مع البام، ويتهم الأمن بالتواطؤ مع البام، والسجون بالتواطؤ مع البام، والتاريخ بنفس التواطؤ، ويجعل من كل أعضاء ومناضلي البام كومندو خبيث النية يجتمع في عصابة إجرامية اسمها حزب الأصالة والمعاصرة كل وظيفتها التآمر على المواطنين.

وهذا قمة الجنون. ومنتهى العبث في القول وانعدام المسؤولية فيه.

هل كي تدافع عن نفسك وتحصنها في ملف معروض على القضاء تحتاج إلى كل هذه الكوارث المتتالية؟ سيكون من الرعونة والتهور والحماقة الاعتقاد بذلك.