رياضة

حقوق البث: احنا و«البي إين»!

المختار لغزيوي الخميس 27 يونيو 2019
1__107__624130795_961986633
1__107__624130795_961986633

AHDATH.INFO

شرحت لنا الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، سواء عبر بيانها التوضيحي المرسل إلى «الأحداث المغربية»، أو عبر تدخل رئيسها المدير العام فيصل العرايشي في البرلمان المغربي الثلاثاء، أو عبر حديث مدير القناة الرياضية حسن بوطبسيل مع جريدتنا في عدد الأربعاء، سبب عدم تمكن التلفزيون المغربي من نقل مباريات الكان الدائرة حاليا في الديار المصرية على شاشته

الحكاية تختزل باختصار في نقط محددة هي عدم توصل التلفزيون بالميزانية الاستثنائية المخصصة لهاته التظاهرات الرياضية الكبرى من الحكومة، والتي لا تدخل ضمن ميزانية التسيير السنوي للتلفزيون، وعدم إدراج هذه المصاريف ضمن الميزانية السنوية المخصصة لها باعتبار عدم التأكد من تأهل المنتخب المغربي مسبقا للبطولة، وعدم الاطلاع على الثمن المطلوب لشراء حقوق البث.

التلفزيون يقول إنه ورغم ذلك حاول أن يجد طريقة ما لتمكين الجمهور المغربي من مشاهدة مباريات منتخبه عبر شاشته الوطنية، وهو أمر عادي وضروري، بل هو أوجب الواجبات.

هنا اصطدم التلفزيون المغربي بعرض استثنائي خاص بالمغرب من طرف شبكة «بي إين» هو عرض المطالبة بأداء 12 مليار سنتيم، مقابل سعر أقل بكثير أدته دول أخرى هي الدول الإفريقية باستثناء دول الشمال التي أدت فقط مبلغ 250 ألف دولار عن طريق الاتحاد الإفريقي للإذاعات.

تلفزيوننا حاول أن يقدم عرضا أكبر هو عرض مليار سنتيم مقابل المباريات الخاصة بالمنتخب المغربي، لكن تم رفض العرض من طرف القطريين، ورأى مسؤولو تلفزيوننا أن الثمن المطلوب لن يكون معقولا، خصوصا وأن العائدات الإشهارية التي ستأتي مرافقة لبث المباريات لن تكون قادرة على تعويض هذا المبلغ الذي يساوي 48 مرة ما تم طلبه من الدول الإفريقية الأخرى، ما جعل الاختيار ختاما يذهب إلى عدم نقل مباريات المنتخب والاكتفاء بالمتابعة الإخبارية عبر النشرات.

أخطر ما في حكاية هذا النزاع ليس الشره المالي الذي أظهرته مجددا شبكة «بي إين»، فهو شره عادي اليوم، وألفناه منها، ويمكن فهمه بالنسبة لشبكة استحوذت على حقوق بث أغلب مباريات الكرة التي تدور في العالم بأسره، وليس في قارتنا وحدها، ما يعني أنها ملزمة بإظهار هذا الشره ويزيد، لكي تعيد بعضا من المال الذي أنفقته في عملية الاقتناء المحمومة هاته.

الأخطر هو اعتراف التلفزيون المغربي بأن المشاهد المحلي أساسا لايشاهد المباريات غالبا إلا عبر البث الفضائي، وأنه لا يلجأ للبث الأرضي إلا نادرا، وذلك بالقول إن 95 في المائة من الأسر المغربية تشاهد التلفزيون عبر البث الفضائي وليس الأرضي، وهذه حقيقة ثابتة اليوم، لكنها لا يجب أن تكون مبررا لكي يرفع تلفزيوننا المحلي يده تماما من الموضوع، ويقول لنفسه «أنا مهني من هاد الصداع، راهم كيشوفو كلشي فالبارابول».

المنطق السليم يقول إن المنافسة في هذا السياق لم تصبح مستحيلة، بل أصبحت ضرورية أكثر، ويجب أن يكون المنتوج المقدم عبر البث الأرضي جيدا ومتميزا واستثنائيا وغير متوفر في البث الفضائي لكي تعود هاته الأسر المغربية إلى هذا البث الأرضي بين الفينة والأخرى، ولكي تجد نفسها ملزمة بالبحث عنه، لا اعتباره من التراث التلفزيوني المنقرض، ونسيانه نهائيا، وإلا فإن هذا البث يجب أن يتوقف تماما، مع استحضار استحالة هذا الأمر لاعتبارات سيادية لا تخفى على متتبع.

كما أن حكاية «طلبوا منا مالا كثيرا ونحن لا نستطيع»، هي مسألة لا يجب أن تكون المشجب الذي سنعلق عليه من الآن فصاعدا اكتفاءنا بمشاهدة كرة القدم الشاطئية أو مباريات الكرة الطائرة في القوقاز أو كرة السلة الثلاثية الدائرة في روسيا على قنواتنا المتخصصة أو الشاملة وطنيا حين منافسات مثل كأس إفريقيا.

المفروض-وهذه مسألة تلجأ إليها قنوات كثيرة حين لا تكون لديها حقوق بث منافسة ما وتكون مهتمة بهاته المنافسة، لأن منتخباتها أو نوادي تخصها تشارك في هاته المنافسة - أن يتم اللجوء إلى «الاحتيال» التلفزيوني العادي، بتخصيص برامج أكثر لهاته المنافسة، وبإشباع نهم المشاهد المحلي لمتابعة كل أخبارها الصغيرة قبل الكبيرة، وبإدراج الصور الثابتة في هاته البرامج الخاصة، وبإيفاد أكبر بعثة ممكنة للبلد المنظم، الذي يحتضن تلك المباراة أو المنافسة لكي يحيط بكل ما يخصها قبل وبعد وحتى أثناء إجرائها دون بث المنافسة لأن الأمر غير قانوني.

تلجأ قنوات متخصصة كبرى مثل «راي» الإيطالية أو «ليكيب» الفرنسية أو غيرها إلى هذا الأمر في مباريات عصبة الأبطال الأوروبية، وتقدم بلاتوهات تناقش المباريات أثناء بثها وتقدم تفاصيل تلك المباريات مع التعليق عليها دون بث الصور.

وهذا الأمر الذي تلجأ إليه هاته القنوات فيما يخص الأندية يصبح أكثر أهمية عندما يتعلق بالمنتخب، لأنه لا يمكن أن تقنع مغربيا واحدا بأنه لن يشاهد مباريات منتخبه على شاشة تلفزيونه وكفى، وأنه ملزم بالذهاب إلى التلفزيونات الأجنبية، وأن البث الأرضي أصلا لم يعد مشاهدا ما يعني أننا قضينا الحاجة مرة أخرى بتركها والسلام.

نفهم التطورات الحاصلة في مجال حقوق البث هذا، وتابعناه في بداياته يوم كانت الأثمنة شبه معقولة، وتنبأنا قبل هذا الوقت بسنوات كثيرة بهذا الجنون الذي سيمس الأرقام مستقبلا، والذي نحياه حاليا مع دخول دول ثرية جدا ولا يهمها المال مقابل الحصول على هذا البذخ التلفزيوني أو الرياضي أو الإعلامي الذي تصنع به حضورها على المستوى العالمي. لكن نفهم بالمقابل أن رفع اليد عن الموضوع تماما، واعتبار أنفسنا غير معنيين بقليل من الاجتهاد لتدارك أوجه النقص الكثيرة الموجودة فيه هو أمر غير معقول وغير مقبول نهائيا.

وللأمانة، وللمزيد من التفصيل المؤلم، نحن لم نعد قادرين - ولم نكن أصلا قادرين - على منافسة القنوات الحاصلة على حقوق البث حتى في البرامج الحوارية، التي تتناول نفس المواضيع، بل إننا أحيانا نعجز عن مجاراة قنوات شبيهة بنا لا تمتلك حتى حقوق البث اللعينة هاته، وتنتمي لدول ليس لديها مال وفير، ومع ذلك تستطيع خلال منافسة مثل المنافسة القارية أن تجذب اهتمام وانتباه الجمهور المغربي، مثلما هو حادث اليوم مع القنوات المصرية التي لا تمتلك حق البث، لكن تمتلك صحافيين رياضيين ولاعبين سابقين ينشطون مختلف حصصها ويتابعهم المشاهد المغربي يوميا بإعجاب شديد من مدحت شلبي حتى خالد الغندور مرورا بعشرات البرامج الرياضية التي أطلقت خصيصا لهاته المناسبة القارية الهامة. بل إن الأمر يشمل في مصر حتى البرامج العامة، ويمكن الاطلاع على ما يفعله عمرو أديب في «الحكاية» أو غير ذلك للتأكد من أن الاهتمام حاضر، وأن القوم هناك لم يكتفوا بقصة «ما عندناش حقوق البث، وما عندنا ما نديرو ليكم».

القصة ليست قصة مال، سأظل على هذا الاعتقاد إلى أن يرث الله التلفزيون ومن عليه. القصة قصة إبداع وقدرة عليه، وقصة هوامش مناورة يجب أن تفكر فيها لكي لا تمر كليا قرب الموضوع، ولكي لا تعتبر نفسك غير معني بمناقشته ولا التفكير فيه، لأنك لا تملك المالي الكافي والسلام..

«ما عندناش الفلوس» هذه معلومة نعرفها منذ قديم الزمان.

«عندنا أفكار مزيانة»، يكفي العثور على من يستطيعون تقديمها. هذه معلومة نحن نعرفها ونؤمن بها. يكفي الآن أن يؤمن بها من يسيرون تلفزيوناتنا لكي يتفادوا مستقبلا هذا الحرج، وطبعا حينها «ما غادي يكون غير الخير إن شاء الله»...