آراء وأعمدة

تفاعلا مع رسالة بيد الله في دعوته للمصالحة بالصحراء؟

أسامة خيي الاحد 05 مارس 2017
Laayoune
Laayoune

AHDATH.INFO  خاص - بقلم نوفل البعمري

 

 

جميعنا تابعنا رسالة الشيخ بيد الله كأحد الذين جايلوا القيادات الأولى المؤسسة لجبهة البوليساريو، و التحولات الكبرى التي عاشها النزاع منذ 1974 إلى الآن؛ و هي رسالة مفتوحة لقيادة البوليساريو خاصة منها ما أسماها جماعة الرباط "المقصود هنا زعماء الجبهة ممن ينحدرون من المغرب؛ الذين أصبحوا مع مرور الوقت أقلية أمام القيادات الأخرى المنحدرة من موريتانيا أو الجزائر"؛ و هي دعوة إذا كانت لها قوتها و رمزيتها؛ التي أصبحت و للأسف متحكمة في مسار الجبهة؛ و صانعة ”لخريطة طريقها” ؛ راهنة مسارها و مستقبلها و مستقبل سكان المخيمات للأسف في أجندة ضيقة خاصعة لجدول أعمال النظام الجزائري.

لذلك الرهان على قيادة الجبهة في المصالحة هو رهان احتمالات نجاحه جد ضيقة؛ بفعل التحولات التي طرأت داخل بنية الجبهة نفسها؛ و في خطها السياسي؛ من خط كان هناك من يضعه في فترة سابقة ضمن حركة تحرر إلى تنظيم يسعى فقط إلى الحفاظ على الوضع الحالي؛ بل تأزيمه سياسيا؛ أمميا و داخل المخيمات.

من هذا المنطلق؛ و مع الإتفاق على جوهر فكرة المصالحة؛ و بناء مستقبل مشترك بين الجميع؛ وجب تفاعلا مع هذه الدعوة التي يجب أن تكون مناسبة لفتح نقاش حولها؛ و حول أرضيتها؛ فإنه لابد هنا الاشارة الى أن مصالحة تاريخية؛ شاملة؛ لابد و أن تنطلق؛ و تتوجه إلى ما يلي:

المصالحة مع الداخل: إن أي مصالحة قد تتوجه للمخيمات؛ لا يمكن أن تكون لها مصداقية؛ و قوة دون الانطلاق من تقوية الجبهة الداخلية؛ معالجة مختلف الأسباب التي أدت إلى فرار الرعيل الأول إلى الجزائر؛ حيث تم احتضانه و قرصنة جوهر حركته؛ كحركة من أجل استكمال تحرير المغرب من الاستعمار الإسباني؛ و قد كان إلى جانب قمع هذا الشباب؛ كان هناك عنصر محدد في هذا الهروب الجماعي؛ هو عدم الإنصات لمطالب هؤلاء؛ و اعتبارهم مجرد شباب متحمس؛دون أن يتم تعميق الحوار معهم و مع فكرة التحرير من قبل بعض قادة الحركة الوطنية؛ اليوم و بعد مرور أكثر من 30 سنة على تلك اللحظة و ميلاد أجيال جديدة بالمخيمات خاصة منها جيل الشباب الذي ازداد بعد فترة وقف إطلاق النار؛ و تفتق وعيه على واقع مضطرب اجتماعيا و سياسيا بالمنطقة؛ ساهم في تكريس نوع من الريع الإجتماعي؛ الذي كان و للأسف جزء من سياسة الدولة التي اعتمدتها

فهي يجب أن تنطلق من المصالحة أولا مع الداخل؛ مع الساكنة المنتمية المنطقة؛ فدون هذه المصالحة التي ستقوي من الجبهة الداخلية؛ وستضفي عناصر قوة على أي مصالحة شاملة، ستظل أي خطوة نحو قيادة الجبهة ناقصة؛ و غير مجمع عليها من قبل صحراويي الداخل؛ و هم الأولى بأية مصالحة؛ و مقدمتها الأساسية لبناء عناصر مشروع ينطلق من:

القطع مع السياسة التي أنتجتها الدولة في المرحلة السابقة؛ التي كانت قائمة على الريع بكل أنواعه و أشكاله؛ و هي السياسة التي أنتجت نظاما اجتماعيا طبقيا؛ كرس الفوارق الإجتماعية بين الفئات المستفيدة و الفئات التي ظلت على هامش المجتمع الصحراوي؛ و مع توالي هذه السياسة و تكريسها؛ توالى معها الصوت الغاضب الذي ليس بالضرورة صوتا و تعبيرا انفصاليا بل صوت تحول في أغلبه إلى ما سماه الملك نفسه بالأغلبية الصامتة و هي الأغلبية التي اختارت الانزواء و الرجوع للوراء في وضع غير سليم و يدق ناقوس الإنذار؛ فرغم ارتفاع معدل المشاركة الانتخابية إلا أن هذه المشاركة لم تستطع تحويلها الى قوة ضغط سياسية؛ و رافعة نحو بناء العدالة الإجتماعية في المنطقة من خلال القطع مع سياسة الريع و الإقتصاد الغير المهيكل؛ هذه السياسة التي أنتجت اجيالا من الشباب الصحراوي على هامش الدولة و المجتمع و هو ما شكل مادة دسمة للاستقطاب لأطروحة ”الإنفصال”.

بناء المصالحة مع الداخل؛ هي مقدمة للمصالحة مع صحراويي المخيمات؛ طبعا الوضع ليس هو كما كان عليه سابقا؛ لكن استمرار بعض المظاهر السلبية؛ تؤثر و بلا شك في قوة الطرح المغربي؛و مشروعه الديموقراطي؛ هذا المشروع الذي يعد اتخاذ خطوات نحو دمقرطة المنطقة؛ و فتح المجال أمام المبادرة المدنية الخاصة؛ و تقويتها؛ و استيعاب الاحتجاج السلمي خاصة منه الإجتماعي؛ و الانطلاق بقوة نحو إقرار حكامة أمنية حقيقية تصالح سكان المنطقة مع المؤسسة الأمنية؛ مع تفعيل توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة المتعلقة بالمنطقة؛ و معالجة الاختلالات الإجتماعية المركبة التي رصدها تقرير المجلس الإقتصادي و الإجتماعي؛ كلها مقدمات لبناء مصالحة شاملة مع المنطقة تتوج بالمصالحة مع صحراويو المخيمات و الشتات.

المصالحة مع صحراويي المخيمات: هل أخطأ الشيخ بيد الله في دعوته للمصالحة؛ بالتأكيد لا؛ بل هي ضرورة تاريخية تنهي مع حالة الانقسام الإجتماعي التي تعيشه المنطقة؛ و سكانها؛ و جعل من إشكال المآسي الإنسانية و الأسرية اشكالا حقيقيا؛ يطرح نفسه مع ازدياد أجيال هنا و هناك مفصولين عن بعضهم البعض؛ لكن السؤال إلى أي حد يمكن الرهان على تجاوب قيادة الجبهة مع دعوته؛ و إن كانت الدعوة ذكية عندما خاطبت ما أسمتهم ”جماعة الرباط” نظرا لاستمرار ارتباطها الثقافي؛ العاطفي؛ الإنساني مع المغرب و مع ملك المغرب يكفي فقط العودة لحديث البشير الولي السيد على استقبالهم من طرف الملك الحالي عندما كان وليا للعهد و كيف اعترف أنه ممكن أن يكون معه أفق جديد و هو حكاه لنا عند زيارتنا للمخيمات؛ و عن الانطباع الإيجابي الذي خلفه لديهم خاصة على الصعيد الإنساني؛ لكن الذي يتابع التحولات التي طرأت على البوليساريو و على طبيعة قيادتها و محاصرة ”جماعة الرباط” يظل الرهان عليها في هذه المرحلة حد صعب؛ في ظل تحكم النظام الجزائري بالقرار التنظيمي للجبهة و السياسي؛ و في ظل عدم خروج جماعة الرباط للعلن لإعلان المعارضة للخط الحالي الذي اتجهت فيه الجبهة منذ سنوات؛ و أخذها لزمام المبادرة بالمخيمات يظل الرهان على أي تجاوب ايجابي منهم ليس بالمستحيل بل بالصعب؛ في ظل تراجعها.

و هنا قد يكمن دور المغرب على مستويين؛ الأول من خلال بعث روح الثقة في المغرب و في اختياراته خاصة المؤسساتية؛ و الديموقراطية تشجعهم على أخذ المبادرة؛ و تشجعهم على التعبير عن مختلف مواقفهم بثبات؛ و في العلن؛ و على المستوى الثاني أن أية مصالحة اذا لم تكن موجهة بخطاب واضح للصحراويين المتواجدين بالمخيمات و في الشتات؛ تعطيهم الثقة؛ الأمل في العيش المشترك و الكريم في أرضهم بالصحراء الغربية المغربية؛ بحرية و لبناء مؤسساتهم المحلية بشكل ديموقراطي مع تجاوز مختلف المطبات التي قد تعتري ادماجهم في المجتمع الصحراوي بالمغرب؛ فالأمر ليس بالسهولة؛ بل هناك صعوبات حقيقية خاصة منها السيكولوجية لدى الأجيال التي ازدادت و هي لا تعرف إلا الخيام وطنا؛ مشحونين بإديولوجية حاقدة على كل ما هو مغربي؛ يجب طرح السؤال حول عناصر المصالحة التي يظل سكان المخيمات هم المعنيون المباشرين بها؛ إلى جانب جماعة الرباط.

إن الدعوة في حد ذاتها خطوة التفكير الجماعي؛ و لبناء مقومات عناصر العيش المشترك بسم مختلف الصحراويين؛ الذين ظلوا طيلة فترة النزاع المفتعل وحدويين و بين ”العائدين”؛ بين من هم ازدادوا أو قطعوا بالمنطقة أصولهم من خارجها؛ مع التناقضات الثقافية و السياسية التي قد تكون ترسبت طيلة فترة النزاع المفتعل؛ و اذا كان جزء كبير من عناصر الحل كامنة في مبادرة الحكم الذاتي باعتبارها أحد أهم خلاصات عمل هيئة الإنصاف والمصالحة؛ فإن تفعيلها في هذه المرحلة من خلال تكريس ثفافة حقوق الإنسان؛ و القيام بإصلاحات عاجلة على مستوى الحكامة الأمنية؛ إقرار نظام إجتماعي عادل بالمنطقة يقطع مع سياسة الريع؛ كلها قد تشكل عناصر قوية في إطلاق مبادرة للبحث عن سبل العيش المشترك؛ و تجعل من باب التاريخ مفتوحا على المستقبل.