فكر و دين

فتوى المرتد تفتح نقاش حرية المعتقد

سكينة بنزين السبت 11 فبراير 2017
1218932782a6475863cc40ffed89885dc3170dcf44
1218932782a6475863cc40ffed89885dc3170dcf44

AHDATH.INFO - سكينة بنزين

بعد إثارته الجدل سنة 2012 بإصداره فتوى متعلقة بقتل المرتد، يعود المجلس العلمي الأعلى من جديد ليخلق الحدث من خلال إصدار وثيقة جديدة تحت مسمى "سبيل العلماء" التي يتراجع فيها بشكل واضح عن ما اعتبره منذ أربع سنوات بابا من أبواب الحفاظ على "الالتزام التعاقدي والاجتماعي مع الأمة" حين وصف كل اخلال بهذا التعاقد ّ"الوراثي" خروجا وارتدادا عن الإسلام، تترتب عليه حدود.

وكما قدم المجلس فيما مضى أدلة وفهوم لنصوص شرعية تدعم فتواه، ها هو يقدم من جديد عددا من القراءات التي نقلت موقفه من النقيض إلى النقيض، إلا أن هذه الخطوة وعلى الرغم من أهميتها لن تكون سوى بداية نحو المطالبة بقراءات واجتهادات أكثر مسايرة للتغيرات التي يعرفها المجتمع المغربي في حراكه الداخلي ، وانسجامه مع الحقوق الكونية وفق عدد من المتدخلين.

 

لا اجتهاد مع ورود النص، هي الورقة التي أشهرها عدد ممن لم يرقهم تراجع المجلس عن فتواه، « حكم المرتد هو القتل والأمر غير قابل للنقاش، ألم يسبق للمجلس العلمي أن قرأ قوله تعالى ( ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة، وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون﴾.. القفز على هذه الآية سيجعل الناس يخرجون من دين الله أفواجا» يعلق أحد الغاضبين من قرار التراجع عن الفتوى.

لكن ما فات المعلق وباقي الغاضبين، أن المجلس سبق له أن استدل بنفس الآية، وزاد عليها أحاديث أكثر تصريحا في قتل من بدل دينه، إلا أن الجدل الذي أثارته الفتوى السابقة وما أعقبه من نقاشات حقوقية وقانونية ودينية تحث على الاجتهاد، دفع المجلس العلمي الأعلى إلى فتح باب الاجتهاد من خلال استحضار روح الدين بدل حرفية النصوص.

المجلس العلمي يعادل الردة بالخيانة العظمى  

 

yessef_934795734    

«هي صياغة من الصياغات الممكنة لجملة من التصورات المتداولة» ، كانت تلك  عبارة الأمين العام للمجلس العلمي الأعلي، محمد يسف، التي تحيل على روح الاجتهاد وربما الخلاف أيضا في وضع تصور جديد لعدد من المفاهيم الدينية على ضوء النقاشات التي يعرفها المجتمع المغربي، وعليه اعتبر المجلس أن «الفهم الأصح والأسلم و المنسجم مع روح التشريع ونصوصه ومع السيرة العملية للنبي صلى الله عليه وسلم أن المقصود بقتل المرتد هو الخائن للجماعة، المفشي لأسرارها والمستقوي عليها بخصومها؛ أي ما يعادل الخيانة العظمى في القوانين الدولية، وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم: «من بدل دينه فاقتلوه»، المقيد بقوله صلى الله عليه وسلم: «..التارك لدينه المفارق للجماعة».

الوثيقة أخرجت مفهوم الردة الموجب للقتل من خانة العقدي إلى خانة السياسي، وقد أوردت في هذا المقام واقعة قتال الخليفة أبي بكر الصديق للمرتدين، مشيرة أن الردة كانت بالمعنى السياسي العام، التي سعت لتفريق الجماعة وإفساد فهم الدين، «ومعلوم أن الدين كان ولا يزال عمود الاستقرار الأساس في المجتمع. وما كثير من الفتن والحروب الدائرة اليوم إلا بسبب فساد تأويله وسوء استغلاله وتوظيفه» وفق ما جاء في الوثيقة.

سعيد بنجبلي .. خطاب الملك حول الحور أعطى دفعة للتيار الديني المسالم

hqdefault

 

التراجع عن فتوى قتل المرتد، تعني بالدرجة الأولى عددا ممن اختاروا الخروج من الإسلام نحو عقيدة جديدة، أو خانة الإلحاد كما هو الحال للسلفي السابق سعيد بنجبلي، أحد أشهر نشطاء جماعة العدل والإحسان الذي اختار ترك الإسلام والتفرغ  لمهاجمته، وخلال استفساره عن رأيه في الموضوع أشار أن « خطاب الملك حول الحور العين قد أعطى دفعا معنويا للتيار المسالم المحافظ داخل المجلس العلمي، توج بالتنازل على الفتوى السابقة التي كانت تشكل سندا للإرهابيين وتخالف توجهات السلطة في التأسيس لتيار إسلامي رسمي مسالم... وذلك بما يتماشى مع مع التوجهات الدولية الرافضة للجماعات المتطرفة الإرهابية... خصوصا وأن المغرب يلعب دورا كبيرا في التأثير على المساجد الأوروبية عبر  الأئمة الخاضعين لتكوين رسمي وتأطير مستمر من قبل مؤسسات السلطة والدبلوماسية المغربية.»

بنجبلي أضاف في تصريحه أن تغيير فتوى المجلس العلمي الأعلى حول المرتد ليست بالخطوة الغريبة، « لأن التشريع الإسلامي قابل للتغير من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار... وذلك حسب السلطة السياسية والدينية السائدة... فالفقهاء التابعون لسلطات دينية وسياسية مستقرة قد تخرج باجتهادات متقدمة، على خلاف الشيوخ والفقهاء التابعين لسلطات تقمع حرية التعبير وغير منفتحة على حقوق الإنسان الذين يميلون للتشدد في تطبيق تعاليم الإسلام... وكلاهما لا يقل تشبثا بالإسلام عن الآخر... فالنص الإسلامي بطبيعته نص  يقبل الأمر ونقيضه... وهي أكبر مشكلات النص الديني الإسلامي.»

الناشط المغربي المقيم بالولايات المتحدة أشار أن تعديل الفتوى لا يعني بالضرورة الانتصار لقيم التسامح، « لأن الخضوع لمنطق الفقه الإسلامي يعتبر المسؤول الأول عن تخلف البلدان الإسلامية وإغراقها في المشاكل والتخلف... لأنه يرهن العقل إلى النص... فيقيده عن الابتكار والتأسيس للقيم الثقافية والحقوقية التي بإمكانها المساهمة في تقدم البلدان».

محمد سعيد .. مسيحي يبحث عن حرية المعتقد دستوريا لا دينيا

T147683849108e5217b68113372d60f3e86f26c4bb6image.jpg&w=500&h=281&

خلال مداخلته حول الموضوع، اعتبر محمد سعيد، الناشط المغربي المسيحي أن خطوة المجلس الأعلى إيجابية « لكن يجب أن تتبعها خطوة لتغيير القوانين الجنائية التي تتعلق بزعزعة عقيدة مسلم، لأن الحديث عن الردة يجرنا للحديث عن حرية المعتقد ضمن الدستور كحماية وصيانة، أما بالنسبة للمجلس العلمي فالخطوة من عدمها أمر فوق منه، كما أن إقدامه على الخطوة لا يعني بالضرورة أن الناس تغيروا في المغرب أنه على طريق الحداثة والحرية .. مثلا كمسيحي هل يمكنني تأسيس كنيسة مغربية للقيام بشعائري، هل يمكن للمسيحي اختيار اسم ابنه، أو الدفن في مقابر على الطريقة المسيحية، أو عقد الزواج بطريقة مدنية أو مسيحية ..  هذا هو جوهر السؤال وليس تراجع المجلس لأن هذا يخص المجلس وعقيدته، وليس الناس المتحولين لعقيدة أخرى أو لا دينيين، لأنه في الأصل لم يطرح السؤال واش هاد الناس متحولين أم لا  .. هم لم يكونوا يوما مسلمين لكنهم ولدوا في وسط مسلم واختاروا أن يكونوا لا دينين أو مسيحيين أو أي شيء آخر».

الناشط المسيحي اعتبر أن تراجع المجلس العلمي الأعلى عن الفتوى كان أمرا واردا منذ البداية،« لو عدنا لسنة 2012 كان هناك لقاء في البرلمان وكان هناك تدخل من الفريق النيابي للاتحاد الاشتراكي والأصالة والمعاصرة وتحدثوا عن خطوة الردة التي أشار لها المجلس العلمي الأعلى، وفي رد أحمد التوفيق قال أن الأمر مجرد رأي وليس فتوى .. يعني أن هذه الخطوة كانت متوقعة بعد فتح عدد من النقاشات حول الموضوع.»

جواد الحامدي.. خطوة المجلس تندرج في إطار محاربة التطرف

16105703_379073539120652_5135300818961504823_n

 

الخلط ما بين الفتوى والرأي، أحدث ارتباكا كبيرا بين صفوف من تلقى مسألة قتل المرتد، لما تحيل عليه من تهديد جسدي لاحق لفكرة الرفض التام للخروج عن "التعاقد المجتمعي" الذي يلزم كل من ولد لأبوين مسلمين بأن يكون مسلما، وفي هذا الإطار يشير " جواد الحامدي" رئيس حركة تنوير إلى أن« فتوى قتل المرتد كانت مجرد "رأْي" وفق توضيح وزير الأوقاف أنذاك، على طلب رأي فيما يتعلق بحرية المُعتقد في المغرب تقدمت به وزارة الأوقاف إلى مجلس العلماء، وكان رأي علماء المجلس صادمًا بالنسبة للأقليات الدينية التي لم تفرق بين الرأي والفتوى واعتبرت قتل المرتد تهديدا لها قد يلحق بها الأذى. نفس الشيء بالنسبة للهيئات المطالبة بحرية المعتقد في المغرب. لعدة أسباب منها أن الملك هو الذي يرأس هذا المجلس. وهو أعلى سلطة في البلاد.

"قتل المرتد" تسبب للمجلس في انتقادات لاذغة، ولم يمُر الرأي مرور الكرام بل كان سبب لفتح نقاش مجتمعي كبير منذ صدور رأي قتل المرتد إلى اليوم.. وأعتقد أن هذا النقاش في الفضاءات المدنية والإعلامية خلص إلى تقديم المجلس العلمي الأعلى تنازل وأفتى بـ يجوز تغيير الدين التي نثمنُها ونعتبرها مُتنورة لعدة اعتبارات منها:

أن هذه الخطوة تندرج في إطار محاربة التطرف والارهاب ومنابعه، باعتبار رأي المجلس العلمي لايختلف ابدا مع المتشددين و الجماعات الارهابية، المجلس مع قتل المرتد وداعش أيضا، وهذا يتنفى مع فكرة "الوسطية والاعتدال" التي يتبناها المغرب رسميا. فالقتل لابد ان يكون تطرفا.

أن المؤسسة الدينية الدستورية هذه خلقت، وقت رأي قتل المرتد، تناقض بينها وبين باقي المؤسسات الرسمية، مثل المجلس الوطني لحقوق الإنسان في موضوع حساس بالنسبة للحقوقيين بالداخل والخارج. في سياق كان فيه رأْي المغرب فيما يتعلق بحرية المعتقد مطلوب من قبل الأجانب.

أنّ رأي المجلس تحدى الدستور الذي ينص على حرية المعتقد، بل حتى القانون الجنائي الذي لايوجد فيه فصل يعاقب غير المسلمين ممان اختروا أديان أخرى بادادتهم الحرة، بالاضافة للتزامات المغرب في مجالس حقوق الانسان.

ثم أن الرأي يخدم أجندة  الإسلاميين والمجلس العلمي بهذا الرأي لا يصنع فرقًا كبيرا بينه وبين الجماعات الإرهابية المتطرفة التي تعتقد أيضا أن المرتد يجوز قتلُه.

بإعلان مراكش للأقليات، وإصلاح التربية الإسلامية، وتوسيع هامش الحريات الدينية، والتراجع عن رأي قتل المرتد.. نحن في الطريق الصحيح، بشرط ان تنخرط الوزارة الوصية على العدل والحريات والمشرع في خلق واقتراح قوانين تسير نحو المزيد من الاعتراف بالأفراد والذات الوطنية».