فكر و دين

الصادق العثماني: بعض الألبسة تكشف جهل الشباب الكبير بالدين

سكينة بنزين الجمعة 27 يناير 2017
Capture
Capture

AHDATH.INFO- حاورته سكينة بنزين

تكشف الكثير من النقاشات نوعا من الالتباس في علاقة اللباس بطبيعة التدين، حيث يحاول بعض الدعاة والمشايخ "تلميع" نمط خاص من اللباس للمرأة والرجل كمدخل لفرض تصور معين واجتهادات محددة لما يجب أن يكون عليه الزي "الإسلامي"، وما تليه من السلوكات "الإسلامية" التي "حازت دون سواها" رضى الله والرسول وفق تصور البعض.

في الحوار التالي يفصل الصادق العثماني، الشيخ والداعية المغربي المقيم بالبرازيل طبيعة العلاقة بين الجوهر والمظهر على ضوء عدد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، كما يشير لعدد من الاجتهادات والفروق بين المذاهب في تحديد طبيعة الحجاب، مع انتقاده للفهم السطحي الذي يروج له من أسماهم ب "المتفيقهين" في الدين.

 

هل من الضروري ربط مستوى التدين بنوع اللباس؟

ليس من الضروري ربض مستوى التدين بنوع من اللباس أو أي شكل من الأشكال، و لا يمكن لأي نوع من الألبسة أن يكون معيارا للحكم على الناس بالتقوى أو العكس.. فديننا اﻹسلامي هو رسالة توجيه وإرشاد وهداية الناس إلى الخير والصلاح  ، فكل أمر أو فعل أو عمل يقوم به المسلم خدمة للإنسان و اﻹنسانية فثم دين الله وشرعه، وكل عمل يقوم به المسلم ضد هذا اﻹنسان -مهما كانت ديانته وعقيدته- فليعلم أنه من أعوان الشيطان وجنده.

لكن بعض المشايخ والدعاة والجماعات الإسلامية والمؤسسات الدينية في وطننا العربي والإسلامي يظنون أن الله قد زكاهم واعتمدهم وحدهم، ولن يقبل الله إسلام أي إنسان في الأرض إلا بعد تصريح وختم منها ، مع العلم أن الدين لله جل جلاله لا يحتاج إلى من يحرسه أو يدافع عنه، كما لا يجب اختصار الدين كله في أشكال وأنماط معينة من التدين، وإلا سيصبح الدين مذهب أيديولوجي، والمذهبية تعمي البصيرة، والرسول صلى الله عليه وسلم قد أشار إلى هذا في الحديث الذي رواه أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال:"إن الله لا ينظر إلى أجسامكم، ولا إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم" ، ويقول الله تعالى:" يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم" . فالله سبحانه وتعالى لا ينظر إلى العباد لأجسامهم هل هي كبيرة أو صغيرة أو صحيحة أو سقيمة، ولا ينظر إلى الصور هل هي جميلة أو ذميمة، كما لا ينظر إلى أشكال وألوان الألبسة هل هي حمراء أم صفراء أم زرقاء أم بيضاء. .كل هذا ليس بشيء عند الله ، وكذلك لا ينظر إلى الأنساب هل هي رفيعة أو دنيئة ، ولا ينظر إلى الأموال ولا ينظر إلى شيء من هذا أبداً، فالصلة الحقيقية التي تربط بين الله وعباده هي صلة التقوى ، فمن كان لله أتقى كان من الله أقرب وكان عنده أكرم.

فأعمال الخير والعمل الصالح والخلق الحسن هو الذي يتفاوت الناس فيه، قد يكون الإنسان على مظهر وهيئة من الالتزام تظنه من أولياء الله تعالى، ولكنه في تصرفاته شرير لا تستطيع الاقتراب منه أو التعامل معه أو مصاحبته، والعكس صحيح ترى إنسان مسلم عادي بسيط، ولكن أخلاقه أخلاق أنبياء، يكون في غاية الكرم، في غاية الإحسان للناس، يكون في حال من الحياء، واللباقة، واللطف، والرفق وما إلى ذلك، وهكذا قد تكون المرأة منتقبة أو ملتزمة باللباس الإسلامي الشرعي ظاهريا، ولكن من اقترب منها أو تعامل معها تأذى مما يصدر عنها من أقوال وأفعال مشينة، وكم من امرأة صورتها ليست بتلك، ولكن فيها من الدين والخشية، ومحبة الخير للناس، وسلامة الصدر، فتكون محبوبة لكل من عرفها وخالطها، وما أود قوله هو أن الصور الظاهرية وأشكال وألوان الألبسة ليس هي التي يعول عليها والحكم على صاحبها بالصلاح والتقوى، وصدق من قال: "المظاهر خداعة" .

تكشف بعض النقاشات محاولة البعض تغليب تصور معين عن ماهية الحجاب، فما هي مواصفاته وشروطه الصحيحة من وجهة نظر دينية؟

مع الأسف بعض المتفيقهين عندما تناقشهم في أمور الدين، فبمجرد ما تحدثهم في أمر ما؛ إلا ويريدون منك الدليل من القرآن والسنة، وهذا مطلوب ولا عيب فيه؛ لكن هناك قضايا كثيرة في ديننا الإسلامي لا يفهمها هؤﻻء تدخل في باب المباحات والبدع الحسنة وفي أبواب الخير والبر والإحسان، كما تدخل عموما في باب عفو الله تعالى على عباده والتيسير والتخفيف عليهم ولا يوجد فيها نص، أخرج البزار والحاكم وقال صحيح وأقره الذهبي وقال الهيثمي في مجمع الزوائد إسناده حسن ورواته موثقون، عن أبي الدرداء قال النبي صلى الله عليه وسلم: " ما أحل الله في كتابه فهو حلال، وما حرم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عفو، فاقبلوا من الله عافيته، فإن الله لم يكن لينسى شيئا، ثم تلا هذه الآية وما كان ربك نسيا." ومعنى هذا الحديث الشريف هو أن كل شيء لم ينص الكتاب والسنة على تحريمه، ولا على تحليله فقد عفا الله عنه وهو مباح، أي مسموح به في ديننا الإسلامي، تخفيفا وتيسيرا على عباد الله.

وفي هذا السياق حدد علماء الإسلام الضوابط العامة للحجاب الإسلامي وهو أن يكون ساترا للعورة، وأن لا يكون فيه زينة ظاهرة ملفتة لنظر الناس، والذي يدخل في لباس الشهرة، وأن لا يكون شفافًا يظهر ما تحته، وليس ضيقا جدا يحدد أعضاء الجسم، وأن يغطي جميع البدن، غير وجه المرأة وكفيها استنادا لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم، الذي رواه أبو داود عن عائشة رضي الله عنها: أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق، فأعرض عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال لها: "يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم تصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا- وأشار إلى وجهه وكفيه". فبيّن لها صلى الله عليه وسلم أن المرأة إذا بلغت الحلم لا ينبغي أن يرى من جسدها غير وجهها و كفّيها، هذه ضوابط عامة لحجاب المرأة المسلمة، وتبقى لها الحرية الكاملة أن تلبس ما شاءت من الألوان والأشكال في الحجاب والخمار بالضوابط المذكورة أعلاه.

بعض العلماء يعتبرون النقاب -أي تغطية الوجه كاملا- واجبا شرعيا للمرأة المسلمة، لكن هذا الرأي شاذ والشاذ لا حكم له، بحيث أغلب علماء الإسلام يعتبرون الحجاب واجبا باستثناء الوجه والكفين، ومن بين ذلك من العلماء المعاصرين الشيخ جاد الحق شيخ الأزهر السابق في كتابه المرأة بين النقاب والحجاب، ومحمد الغزالي والشيخ الشعراوي والشيخ الألباني في كتبه حجاب المرأة المسلمة، وجلباب المرأة المسلمة، وكتابه الرد المفحم وغيرها، وقبلهم ابن القطان الفاسي المالكي المتوفى 628 هـ في كتابه النظر في احكام النظر، والشيخ ابن مفلح الحنبلي المتوفى 763 هـ في كتابه الآداب الشرعية, والشيخ المرداوي الدمشقي الصالحي الحنبلي المتوفى 885 هـ في كتابه الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، والشيخ ابن باديس (المتوفى :1359 هـ) في كتاب آثار بن باديس والإمام محمود الألوسي (المتوفى :1270 هـ) في تفسيره المشهور ب"روح المعاني" وغيرهم من العلماء الذين رأوا أن الراجح عندهم بأن الوجه ليس بعورة فلم يقل أحد بأن الوجه عورة إلا في رواية عن أحمد -وهو غير المعروف عنه- وإلا ما ذهب إليه بعض الشافعية.»

كما قال في موضع آخر: «أما الغلو في حجب النساء عامة الذي عرف في بعض البيئات والعصور الإسلامية، فهو من التقاليد التي استحدثها الناس احتياطا منهم، وسدا للذريعة في رأيهم، وليس مما أمر به الإسلام.. فقد أجمع المسلمون على شرعية صلاة النساء في المساجد مكشوفات الوجوه والكفين -على أن تكون صفوفهن خلف الرجال، وعلى جواز حضورهن مجالس العلم. ويحتج هؤلاء الفقهاء بان قوله تعالى " ولا يبدين زينتهن الا ما ظهر منها " يدخل في مضمونها الوجه والكفين لأن بعض الروايات عن ابن عباس فسرها بذلك كما عند ابن أبي شيبة والبيهقي والطبري ويشهد لها رواية أخرى لابن أبي شيبة. وكذلك رواية قوية عن ابن عمر عند ابن أبي شيبة. ورواية عن ابن مسعود.. وقد تم الرد على القول بقصر الزينة على ما تتزين به المرأة مما هو خارج عن أصل خلقتها كالحلي والثياب، قال الإمام الجصاص في أحكام القران ان هذا غير صحيح بل المراد بالزينة مواضعها في البدن لأن الحلي لا يعتبر كشفه للناس وهو بدون أن يلبس حرام.

وينطبق نفس الشيء على الثياب.. ومن وجهة نظر المفكر الإسلامي جمال البنا، فقد جاء في كتابه المثير للجدل "المرأة المسلمة بين تحرير القرأن وتقييد الفقهاء" أنه لا يوجد في القرآن ولا في السنة ما يعرف اليوم بالحجاب، مؤكدا على أن الخمار التي كانت ترتديه النساء في ذلك الوقت هو زي تقليدي وعادة اجتماعية، وما جاء في القرآن هو أمر بتغطية فتحة الصدر وليس فرض الخمار. ويستشهد البنا على ذلك بحديث ورد في صحيح البخاري مفاده أن النساء كن يتوضئن مع الرجال في حوض واحد في عهد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم والخليفة أبو بكررضي الله عنه وجزء من عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ومما يترتب على هذا بكشف الوجه والشعر والذراعين من اجل الوضوء.

محاولة حصر "الزي الشرعي" في شكل  معين لا يخص المرأة فقط، حيث يوجد بعض الشباب الذي يعتبر الزي العصري نوعا من التشبه بالكفار وفق تصوره، فهل توجد شروط معينة لما يجب أن يكون عليه زي الرجل؟

لا يوجد هناك شكل معين للزي الإسلامي بالنسبة للرجل المسلم، وإنما هناك ضوابط إذا توفرت في أي لباس فهو مباح شرعا للرجل أن يلبسه، كما قلنا بالنسبة للباس المرأة المسلمة والذي ذهب جمهور الفقهاء إلى أن جسم المرأة كله عورة بالنسبة للرجل الأجنبي عدا الوجه والكفين، أما عورة الرجل بالنسبة إلى رجل آخر –سواء كان قريبا له أو أجنبيا عنه- هي ما بين سرته إلى ركبته عند الحنفية، ويستدلون بما روى عن النبي –صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أنه قال:"ما تحت السرة عورة" والسرة عندهم ليست بعورة استدلالا بما روى أن الحسن بن علي –رضي الله عنهما- أبدى سرته فقبلها أبو هريرة –رضي الله عنه-، ولكن الركبة عورة عندهم، بدليل ما روى عن النبي –صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أنه قال:"الركبة من العورة".

والشافعية والحنابلة في المذهب يرون أن الركبة والسرة ليستا من العورة في الرجل، وإنما العورة ما بينهما فقط. لما روي عن أبي أيوب الانصاري –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وعلى آله وسلم- :"ما فوق الركبتين من العورة، وما أسفل السرة وفوق الركبتين من العورة". ويرى المالكية في المشهور عندهم أن عورة الرجل بالنسبة للرجل ما بين السرة والركبة، وعليه فإن الفخذ عورة لا يجوز النظر إليها في المشهور عندهم، وقيل: لا يحرم وإنما يكره، واختلف الفقهاء في عورة الرجل بالنسبة للأجنبية، ومذهب الجمهور أن للمرأة النظر إلى ما عدا ما بين السرة إلى الركبة إن أمنت على نفسها الفتنة. والمالكية يرون أن لها النظر إلى ما يراه الرجل من محرمه وهو الوجه والأطراف عند أمن الفتنة. عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَحْشٍ قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا مَعَهُ عَلَى مَعْمَرٍ وَفَخِذَاهُ مَكْشُوفَتَانِ، فَقَالَ: "يَا مَعْمَرُ غَطِّ فَخِذَيْكَ فَإِنَّ الْفَخِذَيْنِ عَوْرَة" .

أما ما نشاهدة اليوم في المغرب من ألبسة تلبس من طرف الشباب المتدين على شكل معين وصفة وهيئة معينة يظنون بأنها ألبسة شرعية إسلامية وما سواها من الألبسة المغربية أو العالمية ليست إسلامية فهذا جهل كبير بالدين وتغليط لشباب المسلمين، بحيث كما قلنا سابقا فأي لباس يستر عورة الرجل أو عورة المرأة المحددة في الشرع الإسلامي ، فهو لباس شرعي وإسلامي، وأما ما نراه من مظاهر اجتماعية وخاصة في نوعية الألبسة التي يلبسها هؤلاء إنما هي ألبسة شهرة ما أنزل الله بها من سلطان، علما أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان لا يعرفه أحد وهو جالس مع قومه، حتى كان يأتي الرجل يريد أن يسأله ويقول من فيكم محمد، مما يدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يتميز عن قومه بألبسة معينة .

عموما جاء الإسلام بشريعته الربانية ليؤكّد على تكريم الإنسان سواءً كان ذكراً أو أنثى، كما جاء ليؤكد على حق الحياة لكل إنسان بكرامة، وقد حرّم الإسلام جميع الأمور التي كانت تحط من قدر المرأة فأعطاها جميع حقوقها كشقيقها الرجل تماما ، كما جاء الإسلام ليؤكد على أنّ المرأة هي صنو الرجل وشريكته في الحياة في تحمل المسؤوليات وتعمير الأرض.

وفي السنة النبويّة الشريفة كانت سيرة النبي عليه الصلاة والسلام وتعامله مع المرأة تؤكّد على مكانتها وكرامتها في المجتمع، ففي حجة الوداع وصى النبي الكريم المؤمنين بالنساء خيراً بقوله (استوصوا بالنساء خيراً فإنهنّ عوان عندكم)، وإن الوصية بالنساء لتدل على مكانتهنّ العظيمة وعلو شأنهن، لكن للأسف الشديد الجماعات الإسلامية اليوم وخاصة المتطرفة منها جعلوا من المرأة المسلمة بضاعة جنسية وعورة وحبل من حبائل الشيطان ينبغي حجبها وربطها بسلاسل من حديد.