آراء وأعمدة

محمد السادس: ملك الخيار الديموقراطي

أسامة خيي الثلاثاء 18 أكتوبر 2016
roi-benki
roi-benki

AHDATH.INFO خاص - بقلم نوفل البعمري

عندما تمت دسترة العديد من القواعد و الضوابط المؤسسة للديموقراطية بالمغرب في دستور فاتح بوليوز، كان هناك نوع من الاستشعار بأن الأمر يتعلق بالاستجابة لضغط الشارع، وهو استشعار ناتج في العلاقة التي طبعت الدولة بالشارع، رغم أن رئيس الدولة قدم عدة إشارات تحيل الى تبنيه للخيار الديموقراطي إيمانا به كمنهج للحكم و تدبير السلطة في المغرب.

ابتدأ جلالة الملك مع خطاب ”المفهوم الجديد للسلطة” الذي دشن من خلاله علاقة جديدة بين السلطة و المجتمع، محاولا إسقاط طابعها «الاستبدادي» الذي طبعت به طيلة عقد من الزمن، وصولا الى حراك 20 فبراير و ما تبعه من إصلاحات سياسية و دستورية أجابت على العديد من الأعطاب والإختلالات التي طبعت البنية الدستورية المغربية، و علاقة مختلف المؤسسات ببعضها البعض، حيث نأت المؤسسة الملكية بنفسها عن الطابع «المطلق» و اتجهت نحو اقتسام السلطة السياسية والمؤسساتية مع باقي السلط، بل قبلها أسقط الملك طواعية «القداسة» عن الدستور بعد أن كان يستغلها البعض في تلفيق العديد من التهم للمواطنين و الزج بهم في المحاكم...

في هذه الروح اتجه المغرب نحو عقد انتخاباته التشريعية، التي خلت من أي ضغط جماهيري، بقدر ما أنها نظمت في سياق عادي، بعد أن انهت هذه الحكومة ولايتها، رغم كل محاولات التشكيك في الانتخابات و في النتائج التي سيتم الإعلان عنها، كان الملك مصرا على التصرف كسلطة و مؤسسة محايدة، بل ضامنة وحاضنة لإرادة الناخبين، وهو ما تجلى في مختلف خطبه، وفي الإعلان المبكر عن نتائج الإنتخابات في احترام تام للمسلسل الديموقراطي، و للمسار الذي قطعه المغرب للقطع مع مختلف المظاهر التي طبعت الحياة الإنتخابية بالمغرب منذ أول انتخابات تشريعية.

وفي الوقت الذي تم التشكيك في التعيين المحتمل لرئيس الحكومة، وخروج بعض ”الصحافيين” بسيناريوهات و تكهنات ضدا على صناديق الإقتراع، و على النتائج التي تحصل عليها الحزب الفائز فيها، من خلال الترويج لأخبار ثبت زيفها، تدعي وجود رغبة لدى جهات عليا بتعيين شخصيات من خارج الحزب الحاصل على أعلى عدد من المقاعد، قام الملك و في احترام تام للدستور، و دون أن يسمح لمثل هذه الأخبار أن تسمم فرحة المغرب بعرسه الديموقراطي، وذهب في اتجاه تعيين رئيس الوزراء من الحزب الفائز بالانتخابات قاطعا الشك باليقين، محترما المنهجية الديموقراطية و الإرادة الشعبية التي بوأت العدالة و التنمية رأس هذه التجربة الإنتخابية، و على الرغم مما كان يتم الترويج له من كون الملك له حساسية من العدالة والتنمية، فقد أثبت بأت كل تلك الأخبار زائفة، و أنها كانت تخدم أجندة معينة، وأن الحقيقة هو ما عبر عنه الملك بنفسه غير ما مرة آخرها في خطابه الشهير الذي اعتبر نفسه ملكا للجميع، فكان كذلك.

مرة أخرى، كان الترويج لإشاعات متعددة تفيد بأن الملك غير راغب في التجديد لابن كيران الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، وأنه يريد شخصية أخرى من داخل الحزب لتولي هذا المنصب، فاتجه جلالة الملك مباشرة الى تعيين رئيس الوزراء من رأس الحزب، مكرسا عرفا و تأويلا ديموقراطيين، للدستور و للمادة 47 منه، التي رغم أنها لا تلزمه بتعيين الأمين العام للحزب كرئيس حكومة ، فقد تم تكريس هذا العرف، احتراما لإرادة مناضلي الحزب الذي اختاروا ”ابن كيران” أمينا عاما لهم، و تجنيبا للحزب، حاليا و مستقبلا، لصراع داخلي حول من سيتم اختياره، مما قد يؤثر على تشكيل الحكومة، وهذا تأكيد اخر على أن الملك يحترم المؤسسات الأخرى ، وعلى رأسها المؤسسة الحزبية، ومن هنا اختيار الأمين العام أيا كانت الشخصية التي تقود الحزب.

من خلال المحطات الواردة أعلاه، التي أدت الى اعلان الثقة داخليا و خارجيا في المسلسل الديموقراطي المغربي، تأكد أن المغرب اختار خياره الديموقراطي دون أي خوف من نتائج صناديق الإقتراع، مادام هناك إجماع قوي حول ثوابت الشعب و خياراته، على رأسها الخيار الديموقراطي الذي لم يظل مادة دستورية فقط، بل تحول إلى نص يتم تفعيله واقعيا.