صفارات إنذار!

المختار الغزيوي الاثنين 15 أبريل 2024
No Image

يوم السبت الماضي، أطلقت إيران قرابة الثلاثمائة مسيرة نحو إسرائيل. 

لم يكن الهدف الانتقام من قصف الجيش الإسرائيلي لقطاع غزة منذ السابع من أكتوبر الماضي، انتقاما مما فعلته حماس. 

ولم يكن المقصود، مثلما قال بعض الذين تحمسوا أكثر من اللازم من مشاهدي "الجزيرة" الأبديين، "إزالة ومحو إسرائيل من الوجود". 

ولم تكن النية إعلان الجهاد الفعلي، وليس "جهاد الكلام" ضد "الشيطان الأكبر"، وحليفه "الشيطان الأصغر"، مثلما يسمي الملالي أمريكا وإسرائيل منذ أطاح الخميني بمباركة غربية واضحة بالشاه في فارس نهاية سبعينيات القرن الماضي.

كل هاته الأهداف التي قد تعني للجمهور العام، أو لشعوب العالم الإسلامي شيئا عاطفيا ما، هي لا تعني لدهاقنة السياسة في طهران وقم أي شيء. 

الهدف الأساسي مما وقع يوم السبت، وبالطريقة (المسيرة جدا) التي وقع بها، كان تقديم العرض الإيراني هذه المرة بشكل آخر لمن تتفاوض معهم إيران منذ القديم، سواء عن ملفها النووي، أو عن حدود أطماعها الإقليمية والتوسعية، أو عن بقية المكاسب. 

الفارسي ظل (جبانا) حقيقيا في هاته المفاوضات طيلة السنوات الماضية كلها، يقاتل دفاعا عن مصالحه في لبنان بالدم اللبناني (حزب الله)، ويقدم القرابين في عدن وحضرموت فداء مصلحته بالدم اليمني، (أنصار الله)، ويصارع "داعش" السنية بدعم روسي في سوريا بدماء جنود بشار الشاميين، ولا يقدم دمه الخالص، أي الدم الفارسي إلا مضطرا وفي حالات الضرورة القصوى (غارة إسرائيلية على قنصلية أو سفارة أو ضربة موجهة لقيادات الحرس الثوري على حين غرة أو أشياء من هذا القبيل). 

السبت، واصل هذا "الجبن" الفارسي الإعلان عن نفسه مرفوقا بكمية وافرة من الذكاء الذي يصل حدود الدهاء الذي يعرفه الكل عن إيران، من خلال دغدغة مشاعر الشارع الإسلامي بمشاهد لمفرقعات ليلية تسافر بعد إعلان مسبق وسافر عنها، من طهران إلى القدس وتل أبيب، وتعبر مجالات جوية عديدة، وتترك ما يكفي من الوقت للقبة الحديدية الإسرائيلية، ولكل الآليات الحليفة لإسرائيل لكي تجهز الرد اللازم، ولكي تعترض سبيل هاته المسيرات في السماء، فيما الديبلوماسية الإيرانية تعلن في مجلس الأمن قبل انطلاق "القصف" أن "الرد الإيراني على إسرائيل قد انتهى، وأن أي أخطاء أخرى مقبلة مثل قصف المقر الديبلوماسي الذي كان يجتمع فيه قادة الحرس الثوري الإيراني في دمشق ستكون آثارها وخيمة". 

هذا هو الهدف. 

توجيه رسالة تفاوضية جديدة من الفارسي إلى الأمريكان في سنة انتخاباتهم الرئاسية، إلى الأوروبيين في سنة اقتراعهم القاري (الانتخابات الأوربية)، إلى العرب الموزعين بين الخوف من هذا البعبع الفارسي حد التبعية له، وبين العداء المطلق لكل ما يأتي من فارس، لأنهم تعودوا على أن كل ما يأتي من هناك هو غير سار إطلاقا، إلى الشعوب في المنطقة المتعاطفة مع الدم الفلسطيني الذي أريق بكثرة مؤلمة جديدة منذ السابع من أكتوبر بسبب مساندة إيرانية مكشوفة هاته المرة لتنظيمي "حماس" و"الجهاد"، إلى الحليف الروسي المنشغل بتدبير حربه الأوكرانية مع الغرب، إلى الأعداء والأصدقاء في كل مكان: لا تدبير إطلاقا للمرحلة المقبلة دوننا، نحن إيران.

باختصار هي مجرد رسالة إيرانية إلى الجميع، تقول "هذه هي جهوزيتنا وجاهزيتنا فماذا ستقدمون لنا مقابل إبقائها في مرحلة الاستعراض الليلي هاته؟". 

فلسطين، والانتقام لدماء المدنيين، أو تحرير القدس أو بقية الشعارات، أمور لا تهم الفارسي لا من  قريب ولا من بعيد. 

هو أصلا في درجة عداوته مع العرب وقضاياهم مثلما يتصورونها، ومثلما تعبر عنها شعاراتهم، أقرب إلى الإسرائيلي منه إلى العربي. 

لذلك لا مفر من متابعة التطورات الجديدة، وكل هذا الذي يقع بحذر شديد، فهو فعلا مجرد صفارات إنذار دوت في كل مكان ليلة السبت الماضي، وليس فقط في المدن الإسرائيلية التي لم يصلها إلا عدد قليل من كل ذلك الأسطول الضخم من المسيرات التي قال الفارسي إنه أطلقها ذلك المساء…

للمتابعة إذن، فالأمور تبدأ الآن بالكاد.