فاتورة الفساد

حكيم بلمداحي الاثنين 15 أبريل 2024
No Image

بين الفينة والأخرى تظهر قضايا فساد يكون أبطالها شخصيات عمومية.. تكون المتابعة ويكون الاعتقال والمحاكمة، وتسير الأمور وفق ما اتفق، إلى أن تظهر قضية أو قضايا أخرى..

 الخطير في بعض هذه القضايا  يظهر من خلال التحقيق من وقائع قد تبلغ حدا من الغرابة، حيث يتبين أن هناك ممارسات تقع في البلد تتجاوز كل التسلط الممكن، ويعم فيها تسيب خطير يمس كل القيم، بل يسائل الدولة بكل مكوناتها.

غير أن ما يثير الفزع حقا هو قدرة الفساد على التغول في المجتمع تجعله يتمظهر من خلال ممارسات تنتشر في كل مستويات المجتمع.. وقد ابتدعت بعض الأبحاث مفاهيم من قبيل الرشوة الكبيرة والرشوة الصغيرة، مثلا، وهذا التصنيف، وهذه التسمية تفيد بأننا أمام فساد عام يطبع معه المجتمع بشكل غريب.

في كل أرجاء العالم هناك تحايل على القانون، وهناك ممارسات إجرامية، هذا صحيح.. لكن الخطير في الأمر هو لما يصبح الفساد ممارسة مألوفة نراها يوميا، ويمارسها عدد كبير من أفراد المجتمع بكل البساطة الممكنة..

يصعب اليوم في المغرب أن يقوم المرء بأي معاملة، ولو تكون شراء إبرة، دون أن يكون حذرا، ودون أن يكون منتبها، بل ويشك في كل أطرافه ومع من يتعامل.. هذا الإحساس وحده يكفي ليصنفنا في أقبح المراتب من حيث النزاهة مثلا...

كثيرا ما ننتفض من ترتيب البلد في بعض المؤشرات، وفي الغالب نحمل الحكومة مسؤولية ما يقع.. لكن أليس هناك من مسؤولية يتحملها الجميع؟ الجواب على هذا السؤال صعب جدا خصوصا لما تكون هناك تواطؤات تؤطرها مصالح. لكن هناك واقعا لا بد من الاعتراف به وهو أن الفساد بيننا ينمو ويزداد بشكل خطير.

ليس المقام هنا لتفسير ظاهرة الفساد، فهذا عمل من اختصاص البحث العلمي السيكوسوسيولوجي، لكن لا مفر من الاعتراف بأن أكبر تحد يواجهه البلد، وأكبر معرقل لكل تنمية هو الفساد.. قبل أيام صدر استطلاع حول المقاولات والفساد، وكانت نسبة كبيرة من المقاولات تقول إنها واجهت الممارسة، ونسبة قليلة جدا قالت العكس.. الدراسات واستطلاعات الرأي، هي فقط منهجية لمعرفة الواقع، لكن ما يتحدث عنه الناس في جلساتهم يحكي عن أشياء قد تصل حد الغرابة.

هل نحن مجتمع فاسد؟ سؤال يجب أن نطرحه على أنفسنا، أفرادا وجماعات ومؤسسات.. والجواب الأساسي هو تفعيل أدوات المراقبة، والخضوع للقانون والمحاسبة، والضرب على أيدي الفاسدين.. غير ذلك سنستمر في متابعة الحملات الموسمية، وسقوط بعض الشخصيات بين الفينة والأخرى، وسقوط موظفين ومسؤولين هنا وهناك، وتستمر الحياة بفسادها الذي عهدناه. غير أن الاستمرار على هذا الوضع سيجعل صورتنا مشوهة وغير مشرفة، ويجعل بلدنا يؤدي الثمن من تخلفه وعرقلة كل المشاريع التنموية به، ويستمر التخلف وكأنه قدر مكتوب نواجهه. والخطير في الأمر سيكون هو استمرار وضع مقلق من غياب العدالة المجتمعية والمجالية، وغياب الشفافية ونزوعنا نحو مفارقات يبحث العالم عن الابتعاد عنها بكل السرعة المطلوبة..

لا يمكن الاختلاف حول أن فاتورة الفساد دائما غالية يدفعها المجتمع وتدفعها الأوطان بالدرجة الأولى. هذا الأمر يستدعي الخروج من دائرة الحملات التحسيسية والموسمية وانتظار سقوط بعض الفاسدين، وفتح نقاش عمومي حول الموضوع والتعامل بكل الصرامة المطلوبة من أجل مواجهة هذه الآفة القاتلة والمخربة.