تفوق "الكوميديا السوداء" !

المختار الغزيوي الاثنين 08 أبريل 2024
No Image

 دون لعب سيء، وغير مقبول بالكلمات، نقولها: تفوقت الكوميديا السوداء في شهر رمضان التلفزيوني في المغرب هذه السنة. 

الجنوبيان عبد العالي لمهر (طاليس)، ومحمد باسو، (الإثنان من مواليد زاكورة) دقا المسمار الأخير في نعش الرواية التي تقول إن المغاربة يفضلون حين فرجة رمضان، رؤية "التشيار" الأبله باللهجة العروبية، والإكثار من الضجيج والصراخ. 

المغاربة حسب توجه هذه السنة الفرجوي صوتوا على كوميديا حاولت من خلال اللعب بالكلمات (توفقت في حلقات وفشلت في أخرى وهذا عادي جدا) أن تقول شيئا ما، أن ترسل رسائل ما، أن تعالج مواضيع ما. 

هذا الأمر في حد ذاته يستحق التشجيع ويشفع لهاته الأعمال في بعض الهفوات التي كانت في عملي الفكاهيين معا، ذلك أننا من خلالهما نعود إلى أبجديات الكوميديا: الضحك من أجل تمرير شيء ما، بعد أن أمضينا هذه السنوات الطويلة الأخيرة في تكريس نوع من الضحك لم يستطع تحقيق هدفه المعلن: الضحك من أجل الضحك، ولم يستطع تحقيق أي هدف آخر مضمر، طالما ألا أهداف له في الحقيقة بسبب الإمعان في الفراغ. 

هذه السنة، يجب أن نلتقط الرسالة جيدا: رغم أن منتوجي طاليس وباسو لم يصلا درجة الكمال الفني في مجال الكوميديا، إلا أن اعتبار الناس لهما أفضل مافي سوق الفرجة دليل على مايريده المغربي وماتريده المغربية من فرجة كهاته. 

بالعربية "تاعرابت"، الناس تريد شيئا يخاطب ذكاءها، ويهتم بماتعيشه، ويقدمه لها في قالب فني متميز. 

لم يعد المغربي قادرا على قبول ضحك التفاهة القديم. 

ولم تعد لدى الناس قابلية لتلقي ضحك "تعواج الوجه". 

وطبعا مضى إلى غير رجعة زمن الضحك الأبله القائم على حكي النكت السمجة و "البايخة" للجمهور، وإقحام ممثلين لاعلاقة لهم بالكوميديا في جنس هو الأصعب إطلاقا من بين كل الأجناس التشخيصية (لاداعي لتكرار تلك الجملة التي ابتذلت لكثرة استعمالها عن سهولة دفع الكل للبكاء معك وصعوبة دفع القلة إلى الضحك).

اليوم الزمن هو زمن ضحك ذكي، ساخر فعلا، قادر على إلقاء القبض على تفاصيل اليومي بكل مجالاته (من السياسي "اللي كيقتل بالضحك" فعلا إلى الاجتماعي والاقتصادي والرياضي والثقافي، وكلها مجالات "فيها الضحك")، وقادر أيضا على دفع الجمهور نحو التساؤل عن المراد من هذا "الإفيه"، وعن المقصود من هاته اللسعة، وعن الهدف الكلي من المنتوج المقدم إليه. 

لنقل إن باسو وطاليس ذكرانا فقط بالبديهيات: الضحك له هدف، وسبيله للوصول إلى الناس بعمق هو الكتابة الساخرة الرصينة، وهنا لامفر من قولها: هاته الموهبة التي توجد لدى الفنانين معا تلزمها مرافقة بالكتابة الواعية تضاف إلى مجهود الفنانين الشخصي من أجل إنتاج ضحك أرقى يليق بشعب ذكي، لماح، ساخر، "كيزطم على الزبيبة وكتطلع معاه حلاوتها"، "نقايمي ونكايتي" بامتياز، ومن العادي أن يسخر من السخرية الغبية حين تقدم له عبر تلفزيونه، لأنها لاتضحكه، بل تبكيه فقط حين يتذكر أن المجال لاباب له ولابواب يقف لحراسته، مايسمح باستباحته بشكل مهين حقا. 

كوميديانا السوداء التي ترافق كل مايقع لنا وبنا ومعنا وبسببنا وبفضلنا، هي الكوميديا التي يحتاجها المغاربة، لكي تنير لهم بسخرية عميقة وحقيقية مناطق العتمة الكثيرة، وبقية أماكن الظلام. 

لذلك "طفيو الضو" على "الضحك الباسل"، واتركوا لسواد الكوميديا الفني أن ينير لنا هذا المجال الذي يحتاج فقط للموهوبين، وبكره الأدعياء والمتسللين.