إنهم يبيدون الواحات!

حكيم بلمداحي الاحد 24 مارس 2024
No Image

حريق آخر ينضاف إلى عوامل إبادة الواحات بالمغرب.. حوالي ألف نخلة احترقت صباح أول أمس الأربعاء الماضي بواحة أولاد شاكر بجماعة أوفوس إقليم الراشدية... الحريق هو رقم جديد يضاف إلى عدد مخيف من الحرائق التي تفاقمت في السنوات الأخيرة في واحات المغرب الممتدة من فكيك إلى كلميم مرورا بتافيلالت ووادي درعة.

الحرائق التي تفاقمت في السنوات الأخيرة، والتي تجهل أسبابها في غالب الأحيان، تطرح عدة أسئلة خصوصا مع ظهور الضيعات الكبرى الخاصة بالاستثمار في زراعات تسويقية.

ما يقع بواحات المغرب يعتبر جريمة متكاملة الأركان، تبدأ أولا بما جناه البشر على الطبيعة مما خلق تغيرات مناخية تؤدي ثمنها غاليا، الأنظمة الأيكولوجية الهشة بالواحات خصوصا.. وثانيا تأتي السياسات العمومية غير المدروسة التي فاقمت من الوضع وعلى رأس هذه السياسات ما يعرف بالمغرب الأخضر الذي خلق نوعا غريبا على الواحات من استثمارات تهدد النظام الأيكولوجي للمنطقة وينهك الفرشة المائية بطريقة استغلاله للمياه الجوفية.

الوضع الحالي للواحات بالمغرب جد مقلق، مع تراجع مستوى المياه الجوفية، ما أثر على أشجار النخيل المعروفة بجذورها العميقة. و توالي سنين الجفاف، وهجوم الرمال وزحفها بشكل متسارع، إضافة إلى ما تتعرض الواحات بشكل دوري من هجوم الجراد، وتفاقم الأمراض التي تصيب النخيل خصوصا مرض البيوض، وتتالي حالات الحرائق التي تواترت بشكل كبير في السنوات الأخيرة خصوصا في فصل الصيف.

كل هذه العوامل تضع النظام الأيكولوجي للواحات في وضعية خطيرة و في وضع مرضي، بل هي مرحلة جد متقدمة من الفناء. وتفيد بعض الإحصائيات أن شجر النخيل تراجع بأكثر من الثلثين مقارنة مع مرحلة دخول الاستعمار الفرنسي إلى المغرب.. ففي بداية دخول الاستعمار إلى منطقة الجنوب الشرقي في بداية الثلاثينيات من القرن الماضي، كان المغرب يتوفر على حوالي 15 مليون شجرة نخيل. ما تبقى من هذا الرقم الآن لا يتجاوز 5 ملايين شجرة والباقي قتلته الحرائق والأمراض والبشر.

لقد عرفت الواحات تراجعا في منتوج التمور بنسبة الثلث تقريبا في السنوات الأخيرة، وهذا الأمر يتعلق بالإبادة التي تعرضت لها أشجار النخيل، التي لا تغتالها فقط الطبيعة وتغيراتها، بل هناك أيضا ظاهرة تهريب أشجار النخيل إلى المدن الداخلية قصد الزينة، الظاهرة التي استمرت في بداية الألفية الحالية وإلى زمن غير بعيد.

الواقع البيئي المرتبط بالتغيرات المناخية، الذي يقتل الواحة، نزيد عليه ما تفتقت عليه عقلية القائمين على السياسة العمومية، التي سنت سياسة غريبة على الواحة وطبيعتها، وذلك من خلال خلق استثمارات تهتم بالخصوص بالزراعات التسويقية، على رأسها الدلاح وتمور المجهول، وكلها تتطلب استعمالا مفرطا للمياه الجوفية.

سياسة الاستثمار في الزراعات التسويقية خلق خللا في النظام الإيكولوجي للواحات، وتسبب لها في ضياع سينتهي بانقراضها إذا لم تتدخل الحكومة وتوقف هذا العبث الذي لا يتماشى مع طبيعة الواحة، وهي طبيعة تقوم أساسا على زراعات خاصة تحترم النظام الطبيعي وتوازناته.

لقد فاقم برنامج المغرب الأخضر من وضع الواحات، حيث استفاد من هذا البرنامج كبار المستثمرين، الذين حصلوا على كل الدعم، من مال وأراضي، لكن من غير أن يكون لتلك الاستثمارات رجع الصدى، ولم تستفد المنطقة من أي شيء على الإطلاق، اللهم إلا ما نتج عنها من تخريب للبيئة وإنهاك للفرشة المائية وخلق واقع جديد يتنافى مع طبيعة الواحة، واقع يعمل على اغتيالها مع سبق الإصرار والترصد.

ما وصلت إليه وضعية الواحات في المغرب سبق لدراسة، أنجزتها مؤسسة ألمانية سنة 2006، أن تنبأت به. الدراسة السالفة الذكر خلصت إلى أربع نقاط أساسية استنتجتها من عمل علمي ميداني.

هذه النقاط تنبأت بارتفاع درجة الحرارة في الواحات بنسبة تتراوح بين نصف درجة ودرجة ونصف، وتراجع كميات التساقطات من 80 ملمتر سنويا إلى 20 ميليمتر، ووجود خلل في فصول السنة حيث سيطول فصل الصيف على حساب الفصول الأخرى، ورابعا هجوم التصحر وقفزه من 200 متر إلى 1200 متر في السنة.. وكل هذه النقاط الأربعة نجدها اليوم تحققت، للأسف، على أرض الواقع.

وأخطر ما جاء في تلك الدراسة هو التنبؤ بانقراض الواحة في ظرف ثلاثين سنة، إذا لم تعتمد الدولة سياسة مستدامة في المنطقة.

وللأسف مرة أخرى، لم يتم اللجوء إلى سياسة مستدامة مما يجعلنا أمام وضع نحن كلنا عليه شهود وهو إبادة فضاء إيكولوجي بكل التواطئ الممكن...