عضو المجلس الوطني لحقوق الانسان حمضي : الجزائر ‘‘قليلة التاريخ ‘‘و ‘‘كثيرة العجرفة‘‘

عبد الرفيع حمضي الثلاثاء 19 مارس 2024

الاستعمار الأجنبي الغربي عندما حط رحاله بالفضاء المغاربي، كانت الجزائر أولى محطاته سنة 1830 الذي حل محل الاحتلال التركي، وهي نفسها كانت كذلك آخر دولة تحصل على استقلالها سنة 1962، في حين دخلت فرنسا لتونس سنة 1881 والمغرب سنة 1912 وغادرتهما معا في سنة 1956، أما موريتانيا فاحتلتها الجمهورية الفرنسية من 1902 إلى 1960، لتبقى خصوصية ليبيا التي عرفت استعمارا من نوع آخر حيث، من 1911 إلى 1949 أربعون سنة كاملة وإيطاليا تستنزف خيرات بلد عمر المختار، عشرون سنة منها تحت حكم بنيتو موسوليني .

فمع طول فترة استعمار الجزائر 130 سنة، وتأخر استقلالها جعلت المقاومة المسلحة الجزائرية، أو ثورة التحرير الجزائرية من 1954 إلى 1962 تعرق ضراوة وحماسا والتفافا للشعب الجزائري الذي لم يعد يستسيغ أن كل بلدان المغاربية قد طردت الاحتلال الأجنبي باستثناء الجزائر، وهكذا استفادت المقاومة الجزائرية من دعم لوجستيكي من طرف المغرب وتونس وأيضا تغطية سياسية في المحافل الدولية و كذلك من دعم شعوب المغرب الكبير الذين وضعوا خبرتهم في المقاومة رهن إشارة المقاومة المسلحة الجزائرية .

هذا الأمر جعل من النخبة الجزائرية، بمجرد حصولها على الاستقلال تبلور خطابا سياسويا يقدس الثورة الجزائرية، وشهدائها وتنظر بدونية إلى حركات التحرر الأخرى ونوعية استقلالها، بكل من المغرب وتونس أساسا.

أما إذا أضفنا لذلك أن الرئيس أحمد بنبلة، كان يستمد قوته من جمال عبد الناصر ورمزيته بالعالم العربي والعالم الثالث مع ما للجزائر، من إمكانيات غازية ونفطية وكذلك من مساحة كأكبر جغرافية بالمنطقة متجاوزة حتى ليبيا ومستفيدة من التوسع الفرنسي بالمنطقة لفائدة الجزائر ما دام يعتبرها إقليما فرنسيا، فتم الاقتطاع كثيرا من التراب المغربي وقليلا من التونسي، مع الإشارة أيضا أن فرنسا تركت بإقليمها بنية تحتية لا بأس بها مادام أنها لم تكن تعتقد أنها ستغادر الجزائر يوما ما بخلاف المستعمرات الأخرى، التي كانت فرنسا تدري أن أيامها معدودة بها ولو طالت ..

ولعل كل هذه العوامل تفسر بوضوح عجرفة Arrogance القيادة العسكرية الجزائرية منذ ذلك الحين إلى الآن. خاصة وأن الرئيس أحمد بن بلة اختا منذ اللحظة التحالف مع العسك على حساب القيادة السياسية والمتمثلة في الحكومة الجزائرية المؤقتة وجبهة التحرير الوطني، حيث عمد إلى تعيين رئيس أركان الجيش الهواري بومدين نائباً له، هذا الهواري بومدين نفسه سينقلب على رئيسه يوم 19 يونيو 1965 .

عن هذه المرحلة يقول الكاتب والصحفي التونسي المتميز مؤسس مجلة جون أفريك المرحوم بشير بن يحمد، والذي عايش هذه المرحلة ويعرف شخصيا رجالها ومنعرجاتها في مذكراته J’assume ، إن الرئيس أحمد بنبلة كان يتمتع بشعبية كبيرة بالجزائر كما أنه على المستوى الخارجي كان يحظى بتقدير دولي، أما على المستوى العربي فكان يعد رجل الزعيم العربي جمال عبد الناصر بالجزائر، كما كان صلاح بن يوسف الأمين العام للحزب الدستوري الجديد رجل عبد الناصر بتونس، وبالتالي لم يكن يخطر ببال أحد أن يتم الإطاحة بالرئيس بنبلة بهذه السرعة خاصة وأن الجزائر كانت عشية احتضان مؤتمر دولي ذو أهمية قصوى في ذلك الحين المؤتمر الأفرو الآسيوي الذي يجمع عدة دول مستقلة حديثا بأسيا وإفريقيا، والتي ترفض الدخول تحت جبة لا الاتحاد السوفياتي آنذاك ولا الولايات المتحدة الأمريكية، في هذه الفترة كذلك أصبحت العجرفة بالجزائر سياسة عمومية ومنصب ريادة المغرب الكبير وشمال إفريقيا لم يعد حلما بل واقعا مستحقا في خيالهم ..

لكن أتعلمون لماذا تمت تنحية الرئيس أحمد بنبلة، في هذه اللحظة بالذات وعزله عن العالم لمدة 15 سنة في السجن؟، يقول بشير بن يحمد فقط لأن الرئيس صاحب الامتداد الشعبي الوطني والسمعة العربية والأفريقية والدولية قد فكر في تغيير وزير خارجيته آنذاك عبد العزيز بوتفليقة رفيق الهواري بومدين وظله، مما اعتبره العسكر الجزائري تجاوزا للخطوط الحمراء المرسومة لرئيس الجمهورية.

هذه العجرفة أو كما يقول المغاربة " النخوة على الخوا " ستنتقل من السلوك العام للقيم الخاصة حيث يحكي الصحفي المؤرخ البشير بن يخلف، دائما في مذكراته أنه في سنة 1974 تم تنظيم احتفالات كبرى بالجزائر تخليدا للذكرى 20 لانطلاق الثورة الجزائرية، فحضر عدد كبير من رؤساء الدول والحكومات لقاعة كبرى لمتابعة فيلم chronique des années de braise وقائع سنوات الجمر حول المقاومة في عرضه الأول لصاحبه محمد لخضر حمينة، حيث تأخرت القيادة الجزائرية لأكثر من ساعة على ضيوفها من مستوى رؤساء الدول، وبدون أي اعتذار أو تأسف جلس الهواري بومدين وبجانبه عبد العزيز بوتفليقة، فوضعا رجلا على رجل وهما يدخنان السيجار الكوبي الكبير الحجم في مكان مغلق فيه أكثر من 1000 مدعوا لا يدخن منهم أحد، ليبقى عددا من كبار الضيوف مذهولين لهذا السلوك الأرعن والمتعجرف .