دافير يكتب : فقر الإبداع معضلة مثل ندرة الماء

يونس دافير الخميس 14 مارس 2024
No Image


المشكلة التي يجب أن تناقش، بل وأن تصيبنا بالقلق وهذا حد أدنى، ليست في اخنيار شخصية تمثيلية معينة لرجل التعليم، بل في أننا شعب من قرابة 40 مليون نسمة لديه نقص حاد في ملكة الإبداع.

هذا النزوع الإستبدادي الفئوي لا معنى له، سوى أنه يلتقي مع الأصوليين، الكارهين لكل ما هو فني، في تحديد ما يجوز وما لايجوز، الحلال والحرام ... والحال ان الفن حرية بلا حدود أو قيود.

سيكون علينا توقير المعلم، الطبيب، المهندس، المحامي، الفقيه ... وكما قال أحدهم موفقا في ذاك، لن يبقى لنا غير الفئات الاجتماعية، التي لاصوت لها للصراخ احتجاجا، لتكون شخصيات منتوجنا الفني.

والمعضلة ان ما يعرض ليس فنا، وتلك ال 37 مليون مشاهد التي يتباهون بها إما انها تستكشف ما يعرض في الأيام الأولى مع تمني النفس بأن تحدث المفاجأة ويتطور، أو انها مغلوبة على أمرها ولا خيار آخر أمامها.

يجب ان نواجه هذه الحقيقة، ونبتعد عن التفاصيل غير المهمة: لدينا نقص حاد في ملكة الإبداع.

في كل رمضان نكرر نفس الأسطوانة التي نرددها مع ما يعرض علينا على طول العام: عروض غير مقنعة، لا تغري بالمتابعة، تبدو في أدنى السلم مقارنة بما يعرضه غيرنا.

موضوعات مكرورة، ممثلون يجترون انفسهم، صناعة فنية هاوية .. نترك ذلك ونهرب الى الأمام، لنضع الامكانات المادية في قفص الاتهام.

ولو خصصنا اموال الفوسفاط والبحار كاملة لهذا الانتاج، لأعدنا نفس المهازل ومأساة الفشل.

والأمر لا يتوقف على المنتوج التمثيلي التلفزيوني، كم عدد شعرائنا البارزين اليوم؟ وكم عدد المسرحيات التي يغادر صداها الخشبة لتثير شهية الجمهور؟ وكم من فيلم سينمائي نرفع به رؤوسنا بين صناع السينما عربيا فقط، اما عالميا فذلك من باب المستحيلات؟.

كم لدينا اليوم من روائيين مبدعين ننافس به رواة الامم؟ وهل لدينا قصاصون تقرأ لهم حتى تنسى سيجارتك بين أصابعك؟ وماذا ننتج موسيقيا غير ثراتنا الذي نعتاش منه ونهرب إليه؟

في معرض الكتاب، تنتفخ قدميك مشيا بين الأروقة، لاتجد ما يفتح شهيتك غير كتب الطبخ. نحن شعب غير مبدع، وهذه حقيقة مؤلمة.

في السياسة أيضا نجتر انفسنا، قبل ان يتكلم شعب السياسيين تعرف ما سيقولونه، حتى بلاطوهات التلفزيونات التي يأتون اليها تتشابه تشابه نفس الضيوف الذين ملهم الصحفيون قبل جمهور المشاهدين.

وكذلك حال المسؤولين التنفيذيين، لا إبداع ابدا، حين تتأزم الأوضاع نذهب الى الدعم من ميزانية الدولة، وحين تتعب الميزانية نروح لاستخلاصها من الضرائب، هكذا نفعل منذ الأزل، لا إبداع في الحلول كما في السياسة والفن.

الإبداع مثل الماء، كلاهما معضلة في حالة النذرة، ومثل أرض قاحلة، الشعوب التي لاتبدع تموت، نعيش الخواء، تفسح المجال للتفاهة، في التاريخ تخلد الشعوب بإبداعاتها، وتغضب حين لا تجد بين أبنائها مبدعين، وليس بالصراخ غضبا، لأن معلما ركبوا له القرارص في عرض تمثيلي بئيس إبداعيا.

نحن شعب غير مبدع، وكما نخشى الجفاف، ينبغي أن ندق ناقوس الخطر؛ ليس هذا مستوى أمتنا.