"المقطوعون!"

المختار لغزيوي الخميس 07 مارس 2024
No Image

إن هي إلا زلة واحدة، في وضع "كود" التحيين اليومي، الذي يشتغل عليه آلاف من العاملين داخل العالم الأزرق، فإذا بالجميع وقد أصيب بهلع غريب، وإذا بالهواتف ترن في كل اتجاه حاملة معها السؤال المرعب/الخطير "آش واقع فالفيسبوك آسميتك؟".

يوم الثلاثاء الماضي، عاشت البشرية القاطنة عند مارك زوكربيرغ لحظات انقطاع و "قطعة" قبل رمضان، تفرض علينا جميعا التساؤل عن هذا الإدمان الخطير، الذي يجعل مئات الملايين من الناس في العالم كله، يلتقون دون سابق موعد في موقع أسسه صاحبه أصلا لكي يتحدث مع الفتيات أيام كان في الجامعة، لأنه كان يعاني من مشكل في هذا الموضوع، ووجد نفسه اليوم محج الكون كله، كل يبثه شكواه ولواعجه وهلوساته وحماقاته وأحلامه وبقية الأشياء.

شيء ما غير سوي في الحكاية كلها، جعل العديدين يحسون بأن ثمة شيئا ما ينقصهم، فقط لأن الفيسبوك وإنستغرام تعطلا فترة من الوقت، بسبب خطأ بشري داخل "ميطا".

هذا التعلق بشيء غير مرئي مرتبط بتقنية اتضح أنها غير مثالية، وأنها يمكن أن تسقط في أي لحظة من اللحظات، هو تعلق يقول الشيء الكثير عن حالنا جميعا، ويدفعنا حقا للتفكير في حالنا قبل أن تظهر مواقع التواصل الاجتماعي هاته، وما الذي كنا نفعله بدقائقنا وساعاتنا وأيامنا وشهورنا وأعوامنا، أي ما الذي كنا نفعله بحياتنا بكل اختصار؟
ربما كنا نقرأ حينها كثيرا.

ربما كنا نزور بعضنا فعلا لتقديم التهاني في الأفراح بشكل شخصي، ولتبادل المواساة في اللحظات الصعبة.

لم نكن نكتب تهانينا وتعازينا وكل عبارات تخليد ذكرياتنا جملا تتشابه بشكل آلي في موقع مجهول لانعرف أصحابه، وأمام أنظار الغرباء قبل أقاربنا، ونعتبر أننا قمنا بالواجب وزيادة، وألا حاجة لنا بأي شيء إضافي، عملي وواقعي متحقق على الأرض غير هاته التدوينات الافتراضية الكاذبة.

ربما كنا نرفع أعيننا نحو صغارنا، ونحو الأكبر سنا في عائلاتنا، ونشبع منهم نظرا وحديثا وسؤالا عن أحوالهم، عوض أن تبقى عيوننا أسيرة الأسفل تنظر فقط إلى الهاتف اللعين، تراقب من أحب هاته ومن كره هاته، ومن تفاعل مع الأخرى، ومن بقي صامتا يتجسس على الجميع.

ربما كنا آدميين حقا، أناسا عاديين، حقيقيين، من لحم ودم وأحاسيس فعلية، لاافتراضية.

ربما كنا أناسا بكل بساطة قبل أن يأتي هذا الهراء، وننخرط فيه جميعا، قطيعا يردد "البعبعة"، الواحد بعد الآخر دون أي استثناء، ويسميها "تراند"، أو "طوندانس"، ويعتبر نفسه ناقصا إذا لم يسلم لها قياد العقل وبقية الحواس الأخرى مثله مثل الجميع.

يوم الثلاثاء، والناس تترنح في كل اتجاه فقط لأن الفيسبوك وإنستغرام توقفا عن العمل، كنا مجبرين فعلا على النظر إلى مرآة جماعية تسائل هذا التحول فينا من الواقعي إلى الافتراضي، وتخبرنا بكل قسوة أننا جميعا إلا من رحم ربك وهو قليل، لم نعد أناسا حقيقيين، بل أصبحنا كائنات افتراضية فقط، مخلوقات "ديال بالعاني"، يلعب بها زر معطل هنا، وتسخر منها أسلاك غير مرئية هناك.

بماذا أحسست بعد أن عاد إليك الفيسبوك ومعه إنستغرام؟