المرابط : فرنسا تخشى انتشار"عدوى الإسلام المعتدل" والأئمة من أصل مغربي منسجمين مع واقعهم

سكينة بنزين الثلاثاء 20 فبراير 2024
No Image

أحداث أنفو - حاورته سكينة بنزين

جدل كبير تعيشه الأوساط المسلمة في فرنسا، ومن بينها الجالية المغربية، على وقع قرارات ترى فيها باريس حماية لمبادئ الجمهورية، بينما يرى فيها المسلمون تضييقا على حرياتهم، وفرضا لوصاية غربية تحاول صياغة إسلام على مقاس البلد المضيف، ما طرح تساؤلات حول إشكالية التأطير الديني للجالية، وخطر تأثير التيارات المتطرفة التي تستغل غياب وعي ديني معتدل.

في الحوار التالي، يسلط عمر المرابط، عضو مجلس الجالية المغربية بالخارج، و نائب عمدة ضاحية باريس سابقا، الضوء على عدد من المعطيات التي تحرك القرار الفرنسي تجاه الشأن الديني، وتداعياته العكسية، إلى جانب خطر التيارات المتطرفة التي تحتاج تنسيقا مغاربيا للحد من خطرها على الجالية.

كيف تعلقون عن قرار فرنسا وقف استقدام الأئمة الأجانب بمبرر الحفاظ على مبادئ الجمهورية؟

هذا القرار اتخذه الرئيس الفرنسي سنة 2020، والآن جاء تطبيقه، وهو يخص الأئمة المشتغلين في فرنسا والتابعين لدول أجنبية تتولى صرف رواتبهم، مثل تركيا و الجزائر و المغرب، ويمكن القول أن تركيا والجزائر الأكثر تأثرا بالقرار، لأن الأمر يتعلق بـ 150 إماما تركيا تحت إشراف وزارة الشؤون الدينية التركية، و 120 جزائريا يتولى إمام مساجد كبرى تابعة للجزائر، بينما لا يتجاوز عدد الأئمة المغاربة المستقدمين30 إماما.
مع الإشارة أن فرنسا تضم 2500 مسجدا، بمعنى أن تداعيات القرار، طالت 300 مسجدا كان يشرف عليها هذا النوع من الأئمة، كما أن القرار الفرنسي لا يمنع استقدام الأئمة والقراء والمرشدين خلال شهر رمضان.

ما وقع هذا القرار على طبيعة التأطير الديني لمغاربة فرنسا الذي يروم الحفاظ على صلتهم بهويتهم؟

نسبة كبيرة من المساجد في فرنسا تابعة لأئمة مغاربة، حيث يتوفر تأطير ديني يشرف عليه مغاربة فرنسيين مؤطرين، إلى جانب شيوخ لديهم تكوين بلمسة مغربية وتابعين للمذهب المالكي، لكن عموما يبقى القرار الفرنسي مجحفا، لأن أغلب الكنائس في فرنسا تضم قساوسة أجانب، إلى جانب التعيين والتأطير تحت قيادة الفاتيكان، وبالتالي فإن حصر منع الأجانب بالمسلمين يحيل على رغبة فرنسية في التحكم بالشأن الديني الإسلامي، خاصة أنها تخشى انتشار "عدوى الإسلام المعتدل" لذلك هناك محاربة شديدة لما تسميه الإسلام السياسي ، وقد وصل الأمر أن وزير الداخلية الفرنسي، اتهم اللاعب بنزيمة بأنه من الإخوان المسلمين ..

عموما فرنسا لا يروقها تحرك المسلمين سياسيا واقتصاديا، ما يجعل عددا من قراراتها بنتائج عكسية، لكنها في نفس الوقت قد تستفيد من انتشار التدين المتشدد لأنه ينفر من الإسلام.

هل قرار منع استقدام الأئمة سيلغي التأثيرات الخارجية في ظل الانفتاح الرقمي؟

فرنسا تضرب نفسها بيدها بمثل هذه القرارات، لأنها لا تلغي التأثيرات الخارجية التي يحملها الانفتاح الرقمي، لأن عددا من الشباب المتدين في الضواحي الفرنسية، تشبع بالفتاوى والفقه المتشدد والوهابية السلفية عبر الاستعانة بالانترنيت، هذه الفهم المستورد لا يتوافق مع طبيعة المجتمع الفرنسي، ونحن نعلم كيف أن الإمام الشافعي غير كثيرا من مواقفه عندما انتقل من العراق إلى مصر، فكيف اليوم بعد الانتقال من دول مسلمة إلى دول غربية، لذلك نحن اليوم بحاجة إلى فقه الأقليات الذي يسمح للمسلمين أن يعيشوا في هذه البلدان دون أن يدخلوا في صراع مع الآخر غير المسلم.

+ هل التأطير الديني بلمسة مغربية يحدث فرقا أمام الانفتاح الكبير للجاليات على تيارات وأسماء مختلفة في الحقل الدعوي؟

منذ يومين كان هناك تصريح لوزير الداخلية الفرنسي، عن طرد إمام تونسي صرح بأن الراية الفرنسية لا تعني له شيء وأنها شيطانية، وهو بالمناسبة صاحب توجه سلفي مسئ لصورة الإسلام والمسلمين، في الوقت الذي نحن في حاجة لدين معتدل ومنفتح مثل الدين المغربي الذي هو منسجم مع مبادئ الجمهورية الفرنسية ولا يتعارض معها في العديد من النقاط.

كما يمكن رصد الاختلاف بين الأئمة القادمين من المغرب، المتشربين بتوجهات وزارة الأوقاف التي تختارهم بعناية للقيام بالدعوة وفق إطار يحترم خصوصية البلد، على عكس بعض الأئمة التابعين للتيار الوهابي والسلفي، الذين يجنون على أنفسهم وعلى الآخرين بسبب خطبهم.

كما أن عدد من الدعاة المشارقة، لا يفهمون السياق ولا المجتمع الغربي، ما يجعل فتاويهم ومواقفهم بعيدة كل البعد عن ما يجري، لذلك أعتقد أن المغرب ودول المغرب العربي عموما، بحاجة لاتفاقيات مع فرنسا في ما يتعلق بالشأن الديني، لأن هذا من صالح فرنسا لاعتماد تأطير مغاربي يحارب الفكر المتشدد، لهذا حيثيات القرار الفرنسي، سياسوية أكثر منها قرارا ضد التطرف، لأن المتورطين في التشدد غالبا من بعض أبناء الجالية والفرنسيين الذين تكونوا في الشرق الأوسط أو تأثروا بتياراته، فأتوا بمذهب يريد تطبيق ما يقع في بعض البلدان المتشدد ، وهو مايعارض مبادئ الجمهورية الفرنسية.

مظاهر التضييق لم تقف عند منع استقدام الأئمة، هناك أيضا ما يتعلق باللباس و الدراسة، ما مبرر ذلك؟

التضييق على اللباس ليس وليد اليوم ، القصة بدأت سنة 1989، عندما منعت فتيات من الحجاب شمال باريس، والتضييق مستمر في ظل تهافت بعض السياسيين الفرنسيين على رفع شعبيتهم عن طريق الظهور بمظهر المدافع عن العلمانية، كما هو الحال مع رئيس الوزراء الجديد، غابرييل أتال، الذي ارتفعت شعبيته بعد منع العباية التي لا علاقة لها بالدين الإسلامي، وهو ما يروق للفرنسيين الأصليين، لكنه بالمقابل بغضب الفرنسيين المسلمين وهم كثر.

كما يمكن الحديث عن علمانية متطرفة تمنع حرية التعبير، وهو ما يصطدم به أئمة يتحدثون في بعض المواضيع، كتلك المرتبطة بالشذوذ، مع ذكر موقف كل الديانات في هذا الباب، ما يجلب عليه المصائب، لذلك على بعض الأئمة أن يتحلوا بالحكمة والفطنة.