إدريس الكتامي يكتب عن.. ريادة المغرب وحكامته الرشيدة في تحقيق الإقلاع الاقتصادي بالقارة السمراء

الخميس 09 فبراير 2023
No Image

AHDATH.INFO

بقلم إدريس الكتامي/ رئيس الهيئة الوطنية للمحاسبين العموميين لوزارة الاقتصاد والمالية

لقد شكل الموقع الجيو استراتيجي للمغرب عبر التاريخ محطة جذب للدول ونقطة التقاء لمختلف الحضارات، فهو يقع في أقصى الشمال الغربي للقارة الإفريقية، يطل غربا على المحيط الأطلسي وشمالا على البحر الأبيض المتوسط ولا يفصله عن دول جنوب أوروبا سوى مضيق جبل طارق بحوالي 14 كلم، كما يعد البوابة الرئيسية للقارة السمراء .

ويراهن المغرب على موقعه الجغرافي المتميز وتنوع ثرواته الطبيعية والثقافية ومكانته الإقليمية كقطب اقتصادي واعد وقوة استثمارية عالية، لمد جسور التواصل والتعاون مع مختلف دول العالم.

وفي هذا الإطار قام المغرب بإرساء نموذج واعد للتعاون جنوب ــ جنوب بفضل السياسية المتبصرة للعاهل المغربي جلالة الملك محمد السادس الذي أشرف على وضع سياسة إستراتيجية مع مختلف الدول الإفريقية تروم إلى تحقيق الأهداف التالية:

ــ محاربة الإرهاب وتحقيق الأمن والاستقرار.

ــ إيجاد حلول بديلة لظاهرة الهجرة واللجوء.

ــ تطوير التعاون الاقتصادي والتجاري.

ــ تعزيز الروابط الدينية والروحية والثقافية.

ــ تكريس البعد الإنساني والتضامني.

وقد ترجمت هذه السياسة الملكية على أرض الواقع من خلال الزيارات الملكية للعديد من العواصم الإفريقية والتي توجت بالتوقيع على حزمة كبيرة ومتنوعة من الاتفاقيات الثنائية، والرفع من قيمة المساعدات والاستثمارات المغربية الموجهة للدول الإفريقية، كما قامت السلطات المغربية المختصة بالعمل على تسوية الوضعية القانونية للعديد من المهاجرين المغاربة وإدماجهم في سوق الشغل المغربي، ليتحول المغرب من محطة عبور إلى بلد إقامة.

وقد تعزز هذا التعاون بعودة المغرب إلى عضوية الاتحاد الإفريقي، واستعادته لموقعه الطبيعي والتاريخي باعتباره عضو مؤسس للاتحاد المذكور، حيث كان لذلك وقع خاص في بلورة وتجسيد السياسة الملكية بالقارة سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي، حيث أصبح المغرب فاعلا محوريا في السياسات الأمنية بإفريقيا جنوب الصحراء بتعاظم نفوذه في بسط الأمن ومحاربة الإرهاب والتطرف بالمنطقة، كما استطاعت الدبلوماسية المغربية نسج علاقات جيدة مع العديد من الدول الإفريقية الصديقة التي بادرت بدورها إلى سحب اعترافها " بجبهة الوهم " وإقامة سفارات وقنصليات تابعة لها بأقاليمنا الجنوبية، كما ساهم ذلك في تعزيز المكانة الاقتصادية للمغرب بإفريقيا، حيث أصبح رابع حليف تجاري إقليمي بالقارة بعد كل من الاتحاد الأوروبي والصين والولايات المتحدة الأمريكية.

ويسعى المغرب إلى خلق تكتل اقتصادي متجانس يكون قادرا على التفاوض والدفاع عن المصالح الحيوية لدول القارة من خلال العمل على نهج تصورا جديدا للتعاون يقوم على أساس الاستثمار المباشر ونقل الخبرات والمعارف وفق مقاربة " رابح رابح " وكذا البحث عن شركاء جدد في إطار سياسة التعدد والانفتاح...

ويبقى مشروع الغاز نيجيريا ــ المغرب من المشاريع الواعدة التي من شأنها العودة بالنفع الكبير على المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا...، كما يراهن المغرب في نفس الوقت على مجموعة من المشاريع والأوراش الكبرى التي تم إنجازها أو تلك التي سترى النور مستقبلا لتعزيز دوره ومكانته كقوة إقليمية وكقطب اقتصادي وملتقى طرق قاري ودولي وهو ما أشارت إليه سابقا الرسالة الملكية السامية التي وجهت إلى المشاركين في المؤتمر الإفريقي الأول الذي انعقد بمدينة مراكش، حيث قال جلالته : " إن النموذج التنموي المتميز الذي تقوده بلادنا يقوم على سياسة إرادية واضحة المعالم، تروم النهوض بالاوراش الكبرى الهادفة لتوفير البنيات التحتية الضرورية، باعتبارها رافعة قوية لتحقيق الإقلاع الاقتصادي ولتعزيز جاذبية المغرب وتنافسيته ...".

وهو ما أكدته كذلك مجلة " جون أفريك " في أحد مقالاتها " أنه على الواجهة المتوسطية وبعد نجاح ميناء طنجة المتوسطي ’ الذي أضحى أول ميناء للحاويات في حوض البحر الأبيض المتوسط ، ستتعزز الريادة المغربية قريبا من خلال ميناء الناظور غرب المتوسط ...، وأن جهة وادي الذهب التي تعد بوابة لولوج منطقة غرب إفريقيا، مدعوة بفضل الميناء المستقبلي الداخلة الأطلسي ’ إلى أن تصبح قطبا إقليميا وازنا ..، وأن هذا المشروع الضخم سيلعب دورا استراتيجيا سواء في السياسة الإفريقية للمملكة أو في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والصناعية للأقاليم الجنوبية، مما يعد انفتاحا على المستثمرين المغاربة والأجانب .." .

ولتحسين مناخ الاستثمار عمل المغرب على وضع ميثاقا جديدا ومحفزا للاستثمار ووضع إطارا خاصا للإصلاح الجبائي بهدف تبسيط المساطر والإجراءات الضريبية وملائمتها وتخفيف العبء الضريبي على المقاولات الصغرى والمتوسطة... كما برزت سوق الطاقة المتجددة في المغرب ضمن الثلاثة أسواق الواعدة في جذب الاستثمارات الأجنبية، حيث صنفت الوكالة الدولية للطاقة " ايرينا " المغرب ضمن المراكز الخمس الأولى على مستوى العالم من حيث القدرة على إنتاج هيدروجين اخضر تنافسي.

كما شدد التقرير على أن المغرب لديه الموارد الطبيعية والالتزام الحكومي لقيادة ثورة خضراء بإفريقيا... وفي هذا السياق تم الاتفاق بين المغرب والمملكة المتحدة على الشروع في إنجاز أطول كابل كهربائي تحت سطح البحر في العالم لتزويد بريطانيا بالطاقة النظيفة، وفي خطوة كذلك ذات أبعاد سيادية واقتصادية أقدم المغرب على ترسيم حدوده المائية الإقليمية وإنشاء منطقة اقتصادية، وذلك بهدف تكريس السيادة الوطنية على الحدود الإقليمية وحماية الثروات الطبيعية...

كل هذه العوامل والمعطيات المذكورة أعلاه من شأنها المساهمة في جعل المغرب وجهة عالمية للاستثمار كما ستساهم في تدعيم وتقوية الشراكات الاقتصادية والإستراتيجية التي تربط المملكة مع كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية والصين في إطار مبادرة الحزام والطريق، واتفاقية التبادل الحر مع تركيا واتفاقية أكادير مع كل من مصر والأردن وغيرها من الدول، مما سيساعد المغرب في مسعاه نحو إقامة تعاون ثلاثي جديد، يندرج ضمن العلاقات شمال جنوب وجنوب جنوب،.

ولهذا الغرض عمل على إحداث محطة " الدار البيضاء فاينانس سيتي " لاستقطاب الاستثمارات العالمية وتوجيهها، حيث أصبح يحتل المرتبة الثانية بعد جنوب إفريقيا في استقطاب الاستثمارات بإفريقيا، كما أقنع مجموعة من الشركات المتعددة الجنسيات بفتح مكاتب جهوية لها بالمغرب " مايكروسوفت، هاوليت باكارد، واي سي ام، وسيسكو ..." .

كما دفع عدة شركات بنقل جزء من مصانعها للمغرب لتصنيع السلع الموجهة لإفريقيا. وفي الختام، فإننا نرى بأن الموقع الجيو استراتيجي للمغرب يتيح له فرصا واعدة للاندماج في سلاسل القيمة العالمية وتبوئه الريادة على المستوى الإقليمي لجذب الاستثمارات الخارجية وللقيام بدور محوري في تحقيق الإقلاع الاقتصادي لدول القارة السمراء.