الكتاب

تخييل التاريخ

أسامة خيي السبت 14 مايو 2016
تخييل التاريخ
Medina

AHDATH.INFO  خاص - عبد العالي دمياني

تشهد الرواية المغربية منذ عقدين عودة متواترة إلى معين التاريخ لامتياح مادتها التخييلية. منذ أن دشن شعيب حليفي هذا الأفق من خلال عمله الروائي الجميل والرائد «زمن الشاوية» تنبّـه عدد من الكتاب إلى ما ينطوي عليه هذا البعد الوقائعي من ثراء حكائي، ومن عوالم ممكنة قمينة برفد الكتابة الروائية وتشخيص الرؤى الإيديولوجية بفنية عالية.

اللافت في هذه العودة إلى وقائع التاريخ أنها لم تقتصر على من سجّـلوا حضورهم حصرا في الكتابة الروائية، بل سرعان ما امتدت إلى مؤرخين ومشتغلين بالفلسفة وحقول معرفية أخرى. هكذا وقّـع أحمد التوفيق على أعمال قوية تستدعي فترات من التاريخ المغربي من قبيل «جارات أبي موسى» و«شجيرة حناء وقمر»..

نفس الدرب سوف يسير عليه بنسالم حميش، الآتي من الفكر التاريخي والفلسفي، في «مجنون الحكم» و«العلامة» وسواها من أعمال. كما سيرتاد الباحث المتخصص في علم الجماليات، موليم العروسي، الأفق ذاته من خلال روايته الأخيرة «ملائكة السراب»، بعدما قدم روايتين جميلتين تلامسان عوالم التصوف الشعبي في «مدارج الليلة البيضاء» و«مدارج الليلة الموعودة».

المختص في الفكر الإسلامي، سعيد بنسعيد العلوي، وجد في هذا النوع من التخييل التاريخي فضاء للتعبير عن رؤيته حيال العديد من القضايا الراهنة (الإرهاب مثلا) لم تسعفه كتاباته الفكرية في ضمان انتشار كاف لها وإضاءة أعمق. وروايته الجديدة، «ثورة المريدين»، التي تستلهم سيرة المهدي بن تومرت أبرز مؤشر على هذا المنزع.

إن هذا الارتهان إلى التاريخ يستضمر عدة فرضيات. منها إعادة الاعتبار لما أسماه الأستاذ أحمد اليبوري بـ«سلطة الحكي» في تحليله لـ«جارات أبي موسى»، وهو ما يعني أن جزء من الرواية التجريبية في المغرب، التي هيمنت لعقدين، بلغت إلى الباب المسدود. كما أن إعادة الصلة بذلك الرافد التكويني في الرواية العربية (جرجي زيدان) وفي الرواية المغربية (عبد الهادي التازي: وزير غرناطة، والتهامي الوزاني: الزاوية)، يعلي من قيمة المرجع بوصفه خزان التجارب الإنسانية ويقوي الدور التمثيلي للرواية والأدب باعتبارهما أقدر على تشخيص السرديات الكبرى والاضطلاع بوظائف اجتماعية وتثقيفية أعمق.